قال الله سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [النساء : ٥٩]. أي : إيمانا شهوديا عيانيا بعد ما آمنوا به تعالى إيمانا رسميا بيانيا ، قال عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ) من حيث ألوهيته لا من حيث ذاته البحت ، فإن ذاته البحت لا تقتضي الإطاعة واللاإطاعة ، ومنه يعلم سر الألوهية ارتباط بين الإله والمألوه لو زال ؛ لزالت الإضافات كلها ، وإلى هذا أشار من قلّ ، فلولاه
ولولانا لما كان الذي كان
ومن قال أيضا : إن الربوبية سر لو ظهر ؛ لبطلت الربوبية.
قال عزوجل : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أي : من حيث رسالته ، فإن ذاته أيضا لا تقتضي شيئا من الإطاعة ، وعدم الإطاعة ، فكما أن الارتباط بين الرب والعبد إنما هو بالألوهية التي هي كالسلطنة الظاهرة ؛ فكذا الارتباط بين الرسول والأمة إنما هو بالرسالة التي هي كالوزارة الباهرة ، ولذا يلي مقام الخلافة مقام المستخلف ؛ لأن أحكام الربوبية إنما تجري بعد ظهور حكم السلطنة الحقيقية التي هي الألوهية (١).
__________________
(١) قال ابن ناصر الكيلاني : أشار إلى امتثال قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] وهم الأقطاب والخلفاء والولاة منّا ولهم الأمر فيما هو مباح لهم ولنا ، فإذا أمرونا بالمباح وأطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه ، وذلك لأنه إذا أمر الإمام المفترض الطاعة بأمر مباح وجبت إطاعته ، وارتفع حكم الإباحة ، فافهم لتعلم ما منزلة الخلافة والإمامة وما أثمرت هذه المرتبة.
فكأنه قال رضي الله عنه : السمع والطاعة للمتحقق بأحدية الجمع ، والمتنزّل إلى مرتبة الفرق بالرسالة ، والمتلبّس بخلعة الخلافة والنيابة آمرا وناهيا من نبي الله ، وأطعته بالانقياد له مع تحقيقي بمرتبة الجمع لتحقيقي بجمع الجمع ، فافهم.
وإنما أظهر رضي الله عنه اللام في الرسول ؛ ليفصل بين الحق والخلق بإعادة حروف الجر ولم يجمع بين الله والرسول فيه إشارة إلى بعد الحقائق الخفيّة والخلقيّة.
ورد في الخبر الصحيح أنه صلىاللهعليهوسلم قال لخطيب : «بئس الخطيب أنت» لما سمعه قد جمع بين الله تعالى ورسوله في ضمير واحد لا يوحي من الله تعالى ومن يعصمها ، وفي قول الرسول صلىاللهعليهوسلم كفاية لمن أنار الله بصيرته. أما ترى عدم إظهار اللام في قوله رضي الله عنه : وأولي الأمر منّا بلا إعادة لقرب المناسبة والدلالة على أنهم منه صلىاللهعليهوسلم. قال الله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)[التوبة : ١٢٨].
فمن شدة الملابسة حذف اللام في الثاني ، ولبعد المناسبة أثبت في الأول ؛ ليكون أدل على الفصل فافهم.