الكمال اللائقة بالرجال ، والثاني : كسبي ؛ وهو الإنفاق من المال ، إذ لا شك أنا لمتفق عليه يكون من عيال المتفق وجزئياته ، والجزء : إنما يقوم بالكل ، فالكل قائم عليه قيام آدم على الضلع اليسرى ، ثم على حواء ؛ لأن حواء كانت ضلعا من أضلاع آدم ، ولمّا سوّاها الله تعالى حواء تسوية النجار الخشب لم يكن هناك إلا تبدّل الصورة ، فكان آدم قائما عليها على كل حال.
ألا ترى أن الروح بمنزلة الزوج ، والنفس منزلة الزوجة ، والقوى الخارجة والداخلة بمنزلة الأولاد ، والقائم عليها هو الروح دائما ، إذ لو فارق الجسد ؛ لتعطلت وبطلت جميعا ، فهو المنفق عليها ، والمقيض ، وأيضا إنها بمنزلة الأموال الميل الروح إليه في أوائل حاله ، ثم إن ينفقها أيضا : أي كما ينفق عليها ، فيغني عن الكل ، ويبقى حقائقها مندرجة في مرتبة الروح ، فكما أن الروح هو قيّوم الوجود الأنفسي ؛ فكذا الرجل الكامل هو قيّوم الوجود الآفاقي ، والكل كأنه من أجزائه ، ولكمال الرتبة في الرجل ؛ كانت مريم عليهاالسّلام مع كونها صديقة تصوم يومين ، وتفطر يوما واحدا بخلاف داود عليهالسلام فإنه كان يصوم يوما ، ويفطر يوما.
وبهذا ظهر إن مرتبة الخلافة إنما هي للرجال ، وكذا النبوة العرفية ، فإن باب النبوة التحقيقية مفتوح للرجال ، والنساء جميعا ، وكذا بقوله صلىاللهعليهوسلم : «خذوا ثلثي دينكم من عائشة» (١).
حيث لم يقل : كمال دينكم ؛ لأن كمال الدين إنما هو للرجال ، وأمّا النساء فناقصات العقل والدين ، وكانت مرتبتهن الثلاث من الدين لكن لمّا كانت عائشة رضي الله عنها من سائر النساء بمنزلة الذكر من الأنثى ؛ كان لها مثل حظ الانثيين.
فإن قلت : إن النبي صلىاللهعليهوسلم شهد بكمال أربع من النساء : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة رضي الله عنهن ، وأيضا إن قوله : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الأحزاب : ٧٢] يقتضي أن تدخل النساء في حمل الأمانة الكبرى ، قلت : المراد بالكمال المذكور هو : الكمال الإضافي ، فهن لا كمال فوق كمالهن بالنسبة إلى سائر النساء.
__________________
(١) رواه الديلمي في الفردوس (٢ / ٢٦٥).