[البقرة : ٣١] ، ثم بالوصول إلى حقائق المسميات ، ثم بالترقّي إلى حقيقة الحقائق التي هي المسمّى الحقيقي بأن يكون ظاهرا بأسمائه الحسنى ، ومتجلّيا بصفاته العليا ، ومتحققا بحقائقه المثلى ، فإن الخليفة لا بد وأن يكون على صورة المستخلف ؛ كالوزير مع السلطان ، وإليه الإشارة بقولة من قال : من أكبر أكابر الرجال سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها يعني : أظهر آدم وهو عين صورة الحق في الظهور بالحقائق.
ولذا قال صلىاللهعليهوسلم : «خلق الله آدم على صورته» (١) : أي على صورته الحقيقية إذ لا صورة لله تعالى إلا من حيث تنزّلاته واسترسالاته ، وكذا أظهر الوزير وهو عين السلطان في رتبته وحكمه وظهوره ، وذلّ هنا قدم من قال : كيف يكون الحق عين الأشياء ، وهو من حيث وجوب وجوده ، والأشياء من حيث إنها حقائق وماهيات ممكنة؟.
وقال تعالى : (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة : ٢١٣]. فالشمس شمس وإن لم يرها الضرير ، والعسل عسل وإن لم يجد طعمه الممرود.
والحاصل : إن الكمال الحقيقي إنما هو بالوصول إلى مقام الخلافة والنبوة ، وليس ذلك إلا للرجال من النساء دون النساء ، فكمالهن كمال إضافي : أي بالنسبة إلى سائر النساء ؛ ولذا لم يقل أحد من أرباب الحقائق : بخلافة النساء ونبوءتهن ؛ لأن الله تعالى لمّا جعل الرجال قوّامين على النساء ببعض الوجوه في مرتبة الشريعة ؛ اقتضت الحكمة الإلهية أن يكونوا قوّامين أيضا عليهم في مرتبة الحقيقة ، وذلك لا ينافي كمالهن الإضافي.
وقد أشار إلى ذلك معنى الآية ، فإن ما به التفضيل اثنان : الأول : موهبي ؛ وهو
__________________
قدّستم ذواتكم لنا من جهلكم بهذه التجلّيات وما لها من الأسماء التي ينبغي أن تسبّحوني بها؟. فقامت عليهم الحجة في ادّعائهم الإلهيّة ، فقالت بعد العلم : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا)[البقرة : ٣٢] ، واعترفت بالكمال الذي غاب عنها هذا.
وقد قال تعالى لها : إنه خليفة ، فكيف بها لو لم يقل لها ذلك ، فلم يكن ذلك إلا لبطونه على الملائكة.
(١) رواه البخاري (٥ / ٢٢٩٩) ، ومسلم (٤ / ٢٠١٧).