يحجب ذاته عن أهل الجنة ، وهم في الدنيا ؛ أهل القلوب.
فعليك بطريقتهم وسيرتهم في كل ما يأتون وما يذرون ، ومن لم يكن له أدب ؛ لا يصحّ الاقتداء به ، فيحترم إن كان من أهل الجذبة والحال ، فإذا كان تارك الأدب لا يصلح للاقتداء ؛ فما ظنك بتارك الأحكام ، وقد قال تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [البقرة : ١٨٩] ، وهي الشرائع الظاهرة أولا ، ثم الرياضات والمجاهدات ، فعندها ينفتح بيوت المعارف والحقائق على ما هو العادة الإلهية ، ومن الأسباب إحياء الليالي ؛ إذ فيه شهود مولى الموالي ، والوصول إلى أعلى الأعالي ، رزقنا الله وإياكم.
وقال الله سبحانه : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [آل عمران : ١٧٨].
الآثم : اسم للفاعل المبطئة من الثواب ، وله حسن موقع مع الإملاء الذي هو الإمداد والإمهال والتأخير.
واعلم أن الله تعالى جعل لكل إنسان أجلا معلوما ؛ ليبلغ كماله الذي قدّر له ، فإن كان من السعداء ؛ فكماله في الدين ، والسير ، والسلوك ؛ يحصل في مدة أربعين سنة غالبا ، وإن كان له عمر آخر طويل بحسب الإرث المحمّدي ونحوه.
وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوسلم : «طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله» (١).
يعني أن طول العمر ؛ إنما هو لكسب حسن العمل ، وهو للوصول إلى العلم الوهبي كما ورد : «من عمل بما علم ؛ ورّثه الله علم ما لم يعلم» (٢) : أي بما علم من الشرع لا بكل ما عمل آيّا كان.
فإن الفلاسفة ، والحكماء المتقدّمين ، وأمثالهم أنفوا عن الاقتداء بالأنبياء عليهمالسلام ، والعمل بشرائعهم اعتمادا على عقولهم ، وعلومهم ، ورياضاتهم ، فحرموا عن علم المواهب والإرث ، إذ لم يتجاوزوا عن حدّ ذوق ؛ كأفلاطون ، وأين هو من أذواق أهل المقامات الخارجين عن طور الكون ، والحدوث الروحاني ، الداخلين في
__________________
(١) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٧ / ٧٠) ، والديلمي في الفردوس (٢ / ٤٤٥).
(٢) تقدم تخريجه.