وقد كان السلف على مداومة صلاة الغائب في الوقت المذكور اقتداء بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فمن كان من أهل التجلّي ؛ فلا كلام فيه ، ومن كان من أهل الاستتار ؛ فتقليده بأهل التجلّي من الأمور الواجبة عند القوم ، أو بالتقليد الصحيح يتجلّى أنوار التحقيق ، ومن الله الإرشاد والتوفيق.
وقد قالوا : التوبة سبب الرضا ؛ لأن الله تعالى يحب التوّابين ، ويرضى عنهم ، والمراقبة سبب العصمة ؛ لأن الحاضر مع الله تعالى لا يعصى ، والخوف سبب الأمن إذ لا يأمن إلا الخائف ؛ ولذا يقال يوم القيامة : لا تخافوا ، والرجوع إليه تعالى سبب الصلح إذ الاختيار باق بعد ، والاعتذار سبب العفو على ما عليه الكرماء ، والندامة سبب القبول ، فإذا حصل القبول أذن للدخول ، وإذا أذن للدخول ؛ فتح باب القربة والوصول ، وإذا حصل الوصول ؛ حصل الرؤية على الوجه المأمول ؛ لأن الله تعالى لا
__________________
فهذه لطيفة من أبعاض صلاة الأسرار ، فمن صلّى سره هذه الصلاة المرضية ، وقام بحقيقة هذه الأوصاف السنية ، وبلغ بفهمه الثاقب ، ودركه الصائب ، ونوره الساطع ، وحسامه القاطع إلى أفق هذا المقام العلي ، وسنا برقه البهي ، فوقف على باب الرحمة طالبا إفاضات الفضل الإلهي ، والرحمة الربّانية ، سائلا ربه العفو والغفران ، والإعانة على الخروج عن التعلّق بحبال الجزاء والثواب ، والالتفات لنعيم الجنان ودار الرضوان ، فإذا تأدّت هذه الصلاة بكمالها من أقوالها وأفعالها وأحوالها انثالت عليه إضاءات الأنوار الرحمانية البطانية للطور السابع ، بعد ختم صلوات العوالم الست ، فيبدأ العالم السابع بإتيان صلاته وتمحضه بالخروج عن مقاماته وغاياته ، فيرقى في معاريجه الإخفائية ، والأفئدة الاصطفائية الاختصاصية ، برئا من حوله وقوته ، مجردا من أثواب إنيته ، ممحوّا رسمه واسمه بين العالمين ، حاضرا بحقيقة الافتقار لأرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، متابعا للقدم النبوي المحمدي ، موافقا مرافقا للطيف الأحمدي ، عار من كسوة الأغيار ، لابسا حلل الأنوار ، غريقا في بحر الوحدانية ، مستهلكا في زمان الفردانية ، معدوما للأكوان ، مشهودا للرحمن ، مسوّى معدلا لقبول فيض التنزلات الربّانية ، والانفهاقات الرحمانية ، ثابتا تحت أحكام الأقدار ، فقيرا من جميع الأغيار ، حاضرا بالله مع الله ، شاهدا لله بالله ، سامعا كلام الله بالله ، تاليا للقرآن بالله ، عالما بالله ، كاشفا بالله ، ذاكرا لله بالله ، مصطلما في نور الله ، آخذا بكله كلا من الله ، فلا يرى سوى الله ، ولا يفوه إلا بالله ، ولا يشهد في الكون إلا الله ، ولا يرى ضرّا ونفعا إلا من الله ، ولا قبضا وبسطا إلا من الله ، ولا ظهورا وبطونا إلا لله ، ففي صحوه يشهد الله وهو بمقام العبودية ، واضعا قدمه على أثر القدم المحمدي ، والنعت الأحمدي ، سامعا كلام الربوبية بحقيقة العبدانية ، فأرته كلامها الرباني ، وتنزلها الرحماني بالأفق الأعلى.