__________________
ـ أزكى وأبهى ، فيرى في معراجه ذلك أنه بلغ سدرة المنتهى ، وألا مقام أعلى من ذلك الأفق الأعلى ، فعند انتهائه في نظره وبلوغه في استيفاء رزقه في مرامي فكره تنفهق عليه أنوار الآية التي تلي الآية التي قرأها ، وتفكر فيها وتبحّرها ، فيرى ما لم يكن رأى ، ويشهد ما لم يكن له بمرأى ، فيرجع ببصر بصيرته خاسئا حاسرا ، فعند رجوع بصره كرة ثانية يكشف له عن سر معراج الآية الثالثة ، فيشهد من انفهاق الأنوار الرحموتية ، والأسرار الرهبوتية ، ما لم يكن في وسع الصفة البشرية حمل جزئه فضلا عن كله ، فيفجأ نظره انفهاق الأنوار ، ولطائف الأسرار ، فيستغفر الله عزوجل مما كان وقف عند ظنه ، وبلغ حده فهمه ووهمه ، ووقر في باطنه أنه الغاية القصوى في ذلك المقام ، والنهاية في دار السّلام ، ومحل الأمان والإكرام ، فإذا استغرق المصلي في حقيقة هذه الصلاة الروحانية ، والحقيقة الرضوانية ، واستوفى ما قدر له ، وقسم من الرزق الروحاني في المقام الرضواني والطور النوراني كملت صلاته الروحية ، وفاضت عليه أنوار المقامات الصديقية ، وهو مقام الإحسان ، فعند ذلك ينتهي في معراجه الروحاني ، ومنتهى مقامه الرضواني.
وأما صلاة السر فهي أن تضم لما وصفناه من صلوات العوالم الطورية ، واللطائف الظاهرية والبطانية دوام المراقبة والحضور للمشاهدة والمخاطبة ، فلا تلحقه غفلة ، ولا تمسه لفتة ، ولا يتعلّق بعلاقة روحانية ، ولا ملكوتية ، ولا جبروتية ، ولا نفسانية ، ولا جسمانية ، فيكون دائما على صلاته ، ذاكرا لله عزوجل في خلواته وجلواته ، قائما بمأموراته ومنهياته ، مستغرقا في فكر الآية ونعمائه ، حامدا لله تعالى بجميع محامده ومبتغياته ، طالبا منه نوال عطائه وإفضاله ، وتنزلات إفاضات رحموتياته ، طالبا للفتح المبين في فهم أسرار آياته ، مشاهدا تصاريف القدرة الربّانية في براياه ومخلوقاته ، مستغرقا في فهم أسرار ملكوتياته وروحانياته ، كاشفا ، ينزل الأعمال على لطائف جوارح العباد ، وعجائب صنعته في مبتدعاته ، ملاحظا تصريف المشيئة الربّانية في اللطائف السمائية ، والحقائق النورانية ، وتنزل الأملاك العلوية النورية بإرسال الغيث بالقطر النازل ، وافتراق قطراته ، وحكمة الحق تبارك وتعالى في إحياء الأرض الميتة بوروده في وقت الحاجة ، وكفه عند الاستغناء عنه ، وإرسال الرياح بين يديه مبشرات بتنزل الغيث ، وسوق الماء في البحار والأنهار إلى الأرض الجرز ، وما تخرجه من النبات والأقوات ، والفواكه المختلفة الطعوم والألوان ، وما تشتمل عليه من النفع والضر للحيوان والإنسان ، وما يكون منها غذاء لأهل الجنان ولأهل النيران ، وما لا يدخل تحت حصر حيطة علم إنسان ، ولا ملك ولا جان ، ولا يطيق حمل معرفته الثقلان ، فسبحان الملك العظيم الشأن ، فإذا صلى السر هذه الصلاة الطورية ، وقام بها في السرية والجهرية نال مقام العرفان ، وشهد محل الرضوان ، وكان للأنبياء والرّسل من خواص الأتباع المحبين الإخوان ، تلو العلماء المصطفين من عباد الله المتقين. ـ