ـ يقال إنّ القدر مصحّحة للفعل ، فكثرتها إن لم تؤثّر في كثرة الفعل لا يجوز أن يقال إنّها تؤثّر في عدم الفعل ، فكان يجب أن تحصل من تلك القدر اعتمادات وتحصل الجواهر. إلّا أنّ هذا أيضا لا يصحّ ، لأنّ لقائل أن يقول : إنّي لا أقول : إنّ المانع من ذلك إنّما هو كثرة الفعل ، بل أقول : إنّ المانع من ذلك إنّما هو تكافؤ الاعتمادات بعضها ببعض ، فيكون سبيل تلك الاعتمادات سبيل الاعتمادين إذا كانا في جهتين وتكافئا ؛ فإنّه لا يحصل التوليد من واحد منهما ، وإنّما يحصل بحصول التكافؤ لا لكثرة القدر ولا لقلّتها (ن ، د ، ٤٣٣ ، ١٣)
ـ ذهب أبو الحسين الخيّاط وأبو القاسم ، أن القدرتين قد تكونان مختلفتين وقد تكونان متشابهتين واعتبروا في تماثلهما أن يصحّ أن يفعل بإحداهما ، ما هو من جنس ما يفعل بالأخرى ، ومتى لم يصحّ ذلك كانتا مختلفتين. مثاله أن القدر على الإرادات متماثلة ، وكذلك القدر على الكلام ، وعلى المشي. والقدرة على المشي مخالفة للقدرة على الكلام ، لأن الإرادة لا تصحّ باللسان ، ولا الكلام بالقلب. وعندنا أن القدر مختلفة (ن ، م ، ٢٤٣ ، ٢١)
ـ الدليل على أنّ القدر وإن كانت مختلفة فمقدوراتها متجانسة. هو أنّ قدر القلوب لا شكّ في اختلافها. وقد دلّلنا عليه من قبل. ولا شبهة في تجانس مقدوراتها. فلذلك صحّ أن نفعل ببعضها مثل ما يصحّ أن نفعل بسائرها. وكذلك قدر الجوارح. وإنّما وجبت هذه القضية فيها. لأمر يرجع إلى أنّها قدر. فيجب أن يكون ذلك مستمرا في كل قدرة. فيجب أن تكون قدر القلوب قدرا على أفعال الجوارح. وكذلك قدر الجوارح قدرا على أفعال القلوب (ن ، م ، ٢٤٥ ، ٨)
قدر بمعنى
ـ وإذا صحّ أن يقدر بمعنى غير له ، فمن حكمه أن يكون موجودا ليصدر عنه إيجاب هذه الصفة ، لأنّ المعدوم لا يختصّ بالصفة التي تصدر عنها الأحكام التي قد عرفنا أنّها تثبت عند الوجود. ولو لا صحّة هذه الطريقة لجاز أن يوصف أحدنا بالقدرة على ما لا يتناهى من الجنس الواحد إذا كان الوقت والمحلّ واحدا ، لأنّ المعدوم لا حصر له. وقد عرفنا أن هذا يزيل التفاضل بين القادرين. وأيضا فلو كان هذا المعنى معدوما لم يكن ليجب اعتبار حال المحلّ في وجوب استعماله في الفعل أو في سببه ، فيجب أن تكون تلك القدرة موجودة في ذلك المحلّ لكي يصحّ اعتبار حال المحلّ فيما يروم إيجاده. ولأنّ العدم يرفع الاختصاص فلا يكون العليل المدنّف بأن يكون قادرا أولى من الصحيح. فثبت أنّه لا بدّ من وجوده (ق ، ت ٢ ، ٢٩ ، ٤)
قدر الجوارح
ـ يقال في قدر الجوارح ، لا يجوز أن تكون قدرا على أفعال القلوب؟ وقال : لو صيّر الله اليد بمثل صفة اللسان ، لما كانت هذه الصحّة التي هي الآن في اليد ، هي الصحة التي كان يجوز أن يخلقها فيها لو جعلها لسانا ، بل كان يجب أن تكون صحّة أخرى ، وذلك على أصله أنّ القدرة هي الصحّة (ن ، م ، ٢٤٥ ، ٣)
قدر من الجوارح
ـ إنّ أي قدر من الجوارح فإنّه بالاتصال في حكم الشيء الواحد ، فسواء قيل بأنّه يوجد في كل