يدرك الحسن والقبح فيه بنظر عقلي. وسبيل النظر عندهم اعتبار النظريّ من المحسنات والمقبحات بالضروريّ منها ؛ بل يعتبر مقتضى التقبيح والتحسين في الضروريّات فيلحق بها ، ثم يرد إليها ما يشاركها في مقتضياتها. فالكفر عندهم معلوم قبحه على الضرورة ، وكذلك الضرر المحض الذي لا يتحصّل فيه غرض صحيح ، إلى غير ذلك من تخيّلاتهم (ج ، ش ، ٢٢٩ ، ١)
ـ أمّا الحسن ، فحظ المعني منه أنّ الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يوافقه أي يلائم غرضه ، والثاني أن ينافر غرضه والثالث أن لا يكون له في فعله ، ولا في تركه غرض ، وهذا الانقسام ثابت في العقل. فالذي يوافق الفاعل يسمّى حسنا في حقّه ، ولا معنى لحسنه إلّا موافقته لغرضه ، والذي ينافي غرضه يسمّى قبيحا ، ولا معنى لقبحه إلّا منافاته لغرضه ؛ والذي لا ينافي ولا يوافق يسمّى عبثا أي لا فائدة فيه أصلا ، وفاعل العبث يسمّى عابثا ، وربّما يسمّى سفيها (غ ، ق ، ١٦٣ ، ٥)
ـ مذهب أهل الحق أنّ العقل لا يدلّ على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا على معنى أنّ أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسيّة ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ش ، ن ، ٣٧٠ ، ١٠)
ـ إنّ الصدق والكذب على حقيقة ذاتيّة لا تتحقّق ذاتهما إلّا بأن كان تلك الحقيقة ، مثلا كما يقال إنّ الصدق إخبار عن أمر على ما هو به ، والكذب إخبار عن أمر على خلاف ما هو به ، ونحن نعلم أنّ من أدرك هذه الحقيقة عرف التحقّق ولم يخطر بباله كونه حسنا أو قبيحا ، فلم يدخل الحسن والقبيح إذا في صفاتهما الذاتيّة التي تحقّقت حقيقتهما ولا لزمتهما في الوهم بالبديهة كما بيّنا ، ولا لزمها في الوجود ضرورة فإنّ من الأخبار الصادقة ما يلام عليها كالدلالة على نبيّ هرب من ظالم. ومن الأخبار التي هي كاذبة ما يثاب عليها مثل إنكار الدلالة عليه ، فلم يدخل كون الكذب قبيحا أن يعدّ من الصفات الذاتيّة التي تلزم النفس وجودا وعدما عندهم ، ولا يجوز أن يعد من الصفات التابعة للحدوث ، فلا يعقل بالبديهة ولا بالنظر (ش ، ن ، ٣٧٢ ، ١٢)
ـ إنّ القصد إلى الإضرار بالحيوان من غير استحقاق ولا منفعة يوصل إليها بالمضرّة قبيح ، تعالى الله عنه ، فثبت أنّه سبحانه إنّما خلق الحيوان لنفعه ، وأمّا غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان لكان خلقه عبثا ، والباري تعالى لا يجوز عليه العبث ، فإذا جميع ما في العالم إنّما خلقه لينفع به الحيوان ، فهذا هو الكلام في علّة خلق العالم (أ ، ش ١ ، ٤٧٥ ، ٢)
ـ إنّ الكذب قبيح عقلا ، والباري تعالى يستحيل منه من جهة الدّاعي والصارف أن يفعل القبيح ، وقوله عليهالسلام وارتفع عن ظلم عباده هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة ، وعن أمير المؤمنين عليهالسلام أخذوه وهو أستاذهم وشيخهم في العدل والتوحيد (أ ، ش ٣ ، ١٩٥ ، ٢٨)
ـ مذهب أصحابنا أنّ الله تعالى لمّا كلّف العباد