يحدثه لقبح فيه ، ووجب أن لا يلزمه تعالى شيء لحسنه ، إذ لا قبح ولا حسن البتّة فيما لم يزل ، فبالضرورة وجب أنّ ما هو الآن عندنا قبيح فإنّه لم يقبح بلا أوّل ، بل كان لقبحه أوّل لم يكن موجودا قبله ، فكيف أن يكون قبيحا قبله ، وكذلك القول في الحسن ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ١٠١ ، ١)
ـ لا قبيح إلّا ما قبّح الله ولا حسن إلّا ما حسّن الله ، وأنّه لا يلزم لأحد على الله تعالى حق ولا حجّة ، ولله تعالى على كل من دونه وما دونه الحق الواجب والحجّة البالغة ، لو عذّب المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلّدين لكان ذلك له ، ولكان عدلا وحقّا منه ، ولو نعم إبليس والكفّار في الجنّة مخلّدين كان ذلك له وكان حقّا وعدلا منه ، وإنّ كل ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنّه لا يفعله صار باطلا وجورا وظلما (ح ، ف ٣ ، ١٠٥ ، ٦)
ـ نسألهم فنقول : عرّفونا ما هذا القبيح في العقل ، أعلى الإطلاق ، فقال قائلون من زعمائهم منهم الحارث بن علي الوراق البغدادي وعبد الله ابن أحمد بن محمود الكعبي البلخيّ وغيرهما ، إنّ كل شيء حسن بوجه ما قلت يمتنع وقوع مثله من الله تعالى لأنّه حينئذ يكون حسنا ، إذ ليس قبيحا البتّة على كل حال ، وأمّا ما كان قبيحا على كل حال فلا يحسن البتّة فهذا منفيّ عن الله عزوجل أبدا ، قالوا ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعل بك ، وتكليف ما لا يطلق ثم التعذيب عليه (ح ، ف ٣ ، ١٠٦ ، ١)
ـ لا قبيح إلّا ما قبّح الله ، ولا محسن إلّا ما حسّن ، وهذا قولنا ، ولم يقبّح الله تعالى قط خلقه لما خلق وإنّما قبح منّا كون ذلك الذي خلق من المعاصي فينا فقط وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٣ ، ١٢٨ ، ١٧)
ـ العقل لا يدلّ على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف ، وإنّما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع. وأصل القول في ذلك أنّ الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له ، وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة أحكام صفات النفس. فإذا ثبت أنّ الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة نفس ، فالمعنى بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، والمراد بالقبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ٨)
ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ التحسين والتقبيح من مدارك العقول على الجملة ، ولا يتوقّف إدراكهما على السمع ، وللحسن بكونه حسنا صفة ؛ وكذلك القول في القبيح عندهم. هذه قاعدة مذهبهم (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٠)
ـ إنّ أئمتنا تجوّزوا في إطلاق لفظة ، فقالوا : لا يدرك الحسن والقبح إلّا بالشرع. وهذا يوهم كون الحسن والقبح زائدا ، والقبح زائدا على الشرع ، مع المصير إلى توقّف إدراكه عليه. وليس الأمر كذلك ؛ فليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به ، وإنّما هو عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله ، وكذلك القول في القبيح. فإذا وصفنا فعلا من الأفعال بالوجوب أو الحظر ، فلسنا نعني بما نبيّنه تقدير صفة للفعل الواجب يتميّز بها عمّا ليس بواجب (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٧)
ـ المعتزلة قسّموا الحسن والقبيح ، وزعموا أنّ منها ما يدرك قبحه وحسنه على الضرورة والبديهة من غير احتياج إلى نظر ، ومنها ما