الوجوب ، فلذلك قلنا بأن العقاب بأن يستحقّ عليه أولى. وبعد ، فلو قلنا إنّه يستحقّ عليه العقاب ويستحقّ فاعله الثواب ، بأن لم يفعل الترك الآخر القبيح ، على مذهبنا ، لجاز ، وليس كذلك ما قاله القوم ، لأنّا ألزمناهم الترك الذي ليس بأن يقال فيه إنّه واجب ، لكونه تركا للقبيح ، بأولى من أن يقال فيه إنّه قبيح ، لأنّه ترك لواجب ، من غير أن يمكنهم أن يثبتوا لإحدى الصفتين مزية على الأخرى ، ولأنه لا يمكنهم أن يقولوا فيه : إنه يستحقّ على الترك العقاب ، ويستحقّ الثواب على أن لم يفعل الأمر الآخر ، لأنّ ذلك متى قالوه ، فقد وافقونا في استحقاق الذمّ ، ولزمهم أن يقولوا في هذه المسألة ، التناقض ، ولم يلزمنا مثله (ق ، غ ١٤ ، ٢٨٣ ، ٥)
ـ قولنا في الفعل إنّه واجب ، يتضمّن التمكين ، والتخلية ، وارتفاع الموانع ، لكن الأولى أن يذكر معه ارتفاع الأعذار ، مما لا يزيل وجوب الواجب ، ولا يخرج المكلّف من أن يكون متمكّنا مخلّى بينه وبين الفعل ، لكنه يؤخّر أداء الواجب. وقد ثبت ذلك في الحقوق العقليّة والسمعيّة (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٦ ، ١٣)
ـ إنّ الواجب قد يكون مضيّقا ، ومخيّرا فيه. ففي المضيّق يستحقّ الذمّ بألّا يفعل ذلك العين ، أو ذلك الجنس ، على الوجه الذي وجب في الوقت المخصوص ؛ وفي المخيّر فيه يستحقّ الذمّ متى لم يفعل الجميع. فأمّا إذا لم يفعل البعض وفعل البعض الآخر ، فإنّه لا يستحقّ الذمّ ، لأنّه قد قام بالواجب ، من حيث لا يلزمه الجمع بينهما ، وإنّما يلزمه الواحد منها (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٧ ، ١٢)
ـ إنّ الواجب ، إذا وجب على المكلّف ، وعلم أنّه لا يتمّ إلّا بغيره ، من سبب ، أو مقدّمة ، أو طلب آلة ، وجب ذلك كوجوب نفس الفعل. وذلك يبيّن أنّه متى علم من حال الفعل أنّ ، عنده ، يختار الواجب العقلي ، ولولاه لم يكن ليختار علم وجوبه ، وأن هذا الوجه ، في أنّه يقتضي وجوب الفعل ، بمنزلة سائر وجوه الواجبات ، مثل كونه إنصافا ، وشكر المنعم ، إلى ما شاكل ذلك ؛ لأنّ وجه الوجوب لا يختلف بالفاعلين (ق ، غ ١٥ ، ٣٧ ، ٦)
ـ طريقتنا ، في كل فعل نوجبه لأجل وجوب غيره ، أنّا نثبت له وجه وجوب سوى الوجه الذي له يجب الفعل الآخر ، وإن كان وجه وجوبه يعلّقه بالفعل الآخر (وكونه) وصلة إليه. وعلى هذا الوجه ، نقول في الواجب ، إذا لم يقع إلّا متولّدا إنّ سببه واجب. وإذا لم يمكنه فعل ذلك السبب إلّا بتحصيل آلة وجب تحصيلها. وعلى هذا الوجه ، بنينا الكلام في وجوب النظر والمعارف. ولهذا قلنا : إنه تعالى ، إذا لم يصح أن يثيب إلّا بقطع حال التكليف عن حال الثواب ، وبالإعادة بعد الفناء وأحوال كثيرة ، إنّه لا بدّ من وجوبها عليها. ولم نقل إنّه يجب عليه ما ليس له وجه الوجوب. فكذلك القول فيما ذكرناه من اللطف ، لأنّا قد بيّنا أن سبيل ما يختار الواجب ، عنده ، سبيل ما يتمكّن فيه ويصل به إليه (ق ، غ ١٥ ، ٤٠ ، ١٨)
ـ إنّ ما له يجب تعريف الواجب له ، يجب تعريفه بما لا يتمّ ذلك الواجب إلّا به ومعه. ثم لا اعتبار بما له وجب ذلك ، فلا يمتنع في المدبّر منّا لولده أن يلزمه ذلك للوجه الذي للوجه الذي ذكرتم. وربما يلزمه ذلك ، لحاجة (نفس المدبّر إليه ، إذا كان يلزمه النظر في مصالحه.