ـ لا بدّ من أن يكون الضرر الذي يخافه بترك الفعل ، أكثر مما يلحقه من المضرّة بنفس ذلك الفعل ، حتى يكون دافعا للضرر الكثير بالمشقّة اليسيرة. فأمّا لو تكافئا وتعادلا وعلم ذلك من حالهما ، لما وجب الفعل ولكان هذا الناظر مخيّرا والوجوب ساقطا. وإنّما يجب الفعل ، إذا كان حاله ما ذكرناه. ومتى عظم التفاوت فيما يزيله من المضرّة لحقّ ثبات الإلجاء ، وإذا تفاوت لحقّ ثبات الوجوب ، خصوصا متى كان الضرر مؤجّلا غير معجّل. فإذا أصبحت هذه الجملة ، وقد صحّ أنّه لا يمتنع في النظر في باب الدنيا أن يصير بهذه الصفة ، فينبغي أن يكون واجبا ؛ وكذلك النظر في باب الدين. ويجريان ، متى صارا كذلك ، مجرى كل فعل يحرز به من ضرر عظيم ، لأن اختلاف الأفعال لا يؤثّر في أنّ الكل منها إذا اتّفق في وجوب الوجوب اتّفق في الوجوب أن لا معتبر في هذا الباب بجنس الفعل ولا بسائر صفاته ، وإنّما المعتبر بحصول وجه الوجوب فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٨ ، ١٩)
ـ إنّا لا نجوّز أن يكون الواجب واجبا لموجب أوجبه على وجه ، ويجوّزه على وجه آخر ؛ فكل واحد من هذين الوجهين معقول. فأمّا ما نأباه ، فهو القول بأنّه لا صفة للواجب تجب لأجله ، وأنّه إنّما يجب لأجل أمر أو اختيار مختار ، لأنّ هذا الوجه فاسد عندنا على ما بيّناه في أول باب العدل. والذي نجيزه في هذا الباب أن يكون واجبا بإيجابه تعالى من حيث أعلمنا وجوبه ووجه وجوبه ، أو نصب لنا الدلالة على ذلك من حاله. وجعلنا بحيث يجب علينا الواجب ويقبح منّا القبيح ، ونستحقّ فيهما المدح والذمّ والثواب والعقاب. وهذا معقول ، وإنّما صرفنا الإيجاب إلى هذا الوجه لأنّ الدلالة قد دلّت على أنّ الواجب لا يكون واجبا لعلّة هي الإيجاب ، فيضاف وجوبه إلى فاعل علّته ، كما نضيف تحرّك الجسم إلى فاعل الحركة. لأنّ ردّ الوديعة واجب لا لعلّة ، وكذلك شكر المنعم ، لكن لأنّهما ردّ للوديعة وشكر لمنعم ؛ وكذلك القول في سائر الواجبات (ق ، غ ١٢ ، ٤٨٩ ، ١١)
ـ إنّ الواجب لا يجب لأجل الثواب وإنّما يستحقّ ذلك به متى ثبت له وجه وجوب ، فيجب أن يبيّن ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٥ ، ٢٠)
ـ إنّ من حق الواجب أن يفعله من وجب عليه لما له وجب. ومتى فعله لا لهذا الوجه لم يحسن. ألا ترى أنّ أحدنا في العقليّات متى فعل الواجب لا لما له وجب لم يحسن منه أن يفعله عليه إذا كان الوجه الذي عليه وجب معتبرا فيما له يفعله فاعله (ق ، غ ١٣ ، ٣٩١ ، ٨)
ـ إنّ في الأفعال الحسنة ما يعلم من حاله أنّ فاعله يستحقّ المدح بفعله ، ولا يستحقّ الذمّ بألّا يفعله على وجه ، وفيها ما يستحقّ الذمّ بألّا يفعله على بعض الوجوه ، فوصف هذا القسم بأنّه واجب ، ليفرّق بينه وبين ما عداه ، فكان الغرض بهذه اللفظة أنّ الفعل له مدخل في استحقاق الذمّ بألّا يفعل ، فكل ما هذا حاله ، وصفه بأنّه واجب تفرقة بينه وبين ما لا مدخل له في ذلك. ولسنا ندخل استحقاق الذمّ بفعله في الحدّ ، لأنه قد يساويه في ذلك ما ليس بواجب ، ويجب أن يحدّ الشيء بما به يبيّن من غيره ، والذي به يبيّن الواجب من غيره ما قدمناه ، وقد دخل في ذلك ما يستحقّ الذمّ بألّا يفعل ذلك بعينه ، أو بألا يفعل إذا لم يفعل ما يقوم مقامه ، ودخل في ذلك كل واجب ، على