وجه وجوبه على ما نبيّنه ونفسّره ، وكان يعلم من جهة العقل ، فيجب أن يجري مجرى ردّ الوديعة في أنّه لا يفتقر فيه إلى سمع. وليس كذلك حال الصلاة ، لأنّه الوجه الذي له تجب لا يعلم إلّا سمعا ، لأنّها لطف في سائر الواجبات ، وهذا لا طريق للعقل إليه. فلذلك وقفنا في وجوبها على السمع. والسمع ، فإنّما نعلم صحّته بأن نعرف الله ، تعالى ، وأنّه حكيم لا يفعل القبيح. فوجب أن تتقدّم للمكلّف معرفة الله ، تعالى ، ومعرفة السمع جميعا ، ليعلم وجوب الصلاة (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٤ ، ١٤)
ـ إنّه لا يمتنع ، في الواجب إذا وجب شرعا ، أن يكون وجه وجوبه ما ذكرته ، لأنّه إنّما يجب للمصلحة ، فعلى الوجه الذي يعلم الحكيم وقوع المصلحة به يوجبه. وليس كذلك ما يجب عقلا ، لأنّ الذي له يجب من الوجوه معلوم بالعقل. فيجب على المكلّف أن يؤدّيه على الوجه الذي يلزم بالعقل ، ولا يعتبر بما سواه من الوجوه التي قد تختصّ كثيرا من الواجبات بأن تجب عليها (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٨ ، ١٤)
ـ إنّ الواجب في أنّه يستحقّ الذي بأن لا يفعله ، كالقبيح في أنّه يستحقّ الذمّ بفعله. وقد ثبت أنّه متى علم ما له يقبح الفعل وثبوته في الفعل فذلك الفعل قبيح منه لا محالة. فكذلك إذا علم ما له يجب الفعل وثبوته في فعل معيّن ، فلا بدّ من أن يكون واجبا عليه. ولا يمكن لأحد أن يخالف في هذه الجملة ، إلّا بأن يدّعي في الفعل أنّ ما له يجب ، سوى ما قلناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤٩ ، ١)
ـ بيّنا بوجوه كثيرة أنّ القبيح والحسن والواجب لا يجوز أن يختصّ بذلك من جهة السمع ، وأنّ من لا يعرف السمع ولم يستدلّ على صحّته ، ويعرف أحكام هذه الأفعال ، ولو لم يتقدّم له العلم بها ، لم يكن ليصحّ أن يعرف السمعيّات أصلا ، بل كان لا يصحّ أن يعرف النبوّات (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١١)
ـ متى قلنا ، في الواجب : إنّه تعالى أوجبه ، فالمراد بذلك أنّه عرف إيجابه ووجه وجوبه ، أو دلّ على ذلك من حاله. لأنّه لا يصحّ أن يوجبه إلّا على هذا الوجه ، من حيث ثبت أنّ الواجب لم يكن واجبا لعلّة ، فيقال : إنّه تعالى يوجب الواجب بأن يفعلها ، لأنّ ذلك كان يخرج الواجب من أن يقع من أحد باختياره إلى أن يقع لأجل العلّة الموجبة له ، وفي هذا إبطال كونه واجبا. فإذا صحّ ذلك ، لم يكن واجبا بنفس الأمر ، فيجب أن يكون واجبا لما ذكرناه. لكنه تعالى قد فصل بين الأدلّة على ذلك ، فربما دلّ على وجوبه من جهة مجرّد العقل ، وربما عرف وجوبه بالعادات أو عند ورود الأخبار ، وربما عرف وجوبه بالسمع. وفي جميع هذه الوجوه لا بدّ من أن يكون فعله وجوبه في جميعه متقرّرا معروفا بالعقل ، إمّا على جملة وإمّا على تفصيل ؛ ويكون مدخل السمع في ذلك إلحاق السمعيّات بالجملة العقليّة (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ٢١)
ـ إنّ ما يصير ملجأ إليه ، يصير آكد من الواجب ، وإن فارقه في حكمه ؛ ولا تنتهي سائر الواجبات إلى هذا الحدّ. وذلك مما يبيّن لك أنّ هذا الوجه في الوجوب آكد من سائر الوجوه التي ذكرناها. فإذا صحّ ذلك ، وخاف الضرر إذا هو لم يفعل النظر من وجه صحيح من وجوه الخوف ، وأمّل زوال ذلك بفعل النظر ، فمن حقّه أن يكون واجبا (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٢ ، ١٥)