اللغة بمعنى واحد. وذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٧٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) وغير ذلك. وبيّن أن المتكلّمين إنّما فرّقوا بين الضرورة والإلجاء من جهة الاصطلاح ، وإلّا فهما من جهة اللغة لا يختلفان. وذكر أن تحصيل الملجأ أن يفعل به ما يقتضي الهرب من ضرر آخر لو لم يهرب منه لنزل به (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ٩)
ـ لا شيء مما يصير عنده ملجأ إلّا وقد يحصل على بعض الوجوه ولا يكون ملجأ ؛ نحو أن يرغّبه الله ـ تعالى ـ في الوقوف عند السبع بالثواب الجزيل. ولذلك يفترق حال الجبان والشجاع عند الضرب ، فيحصل أحدهما ملجأ إلى البعوث دون الآخر (ق ، غ ١١ ، ٣٩٥ ، ٣)
ـ قال ـ رحمهالله ـ في الأصلح : الإنسان ملجأ إلى نفع نفسه في بعض الأحوال ، ودفع الضرر عنها وعمن يمسّه أمره ، وكل ملجأ إلى شيء فلو لم يلجأ إليه لكان واجبا. ولذلك لا يصحّ أن يلجأ إلى الكذب أو القتل. ومتى حصل في النفع ضرر يسير خرج من باب الإلجاء. ولذلك تجب التوبة مع ما فيها من زوال الضرر العظيم ولا يكون فاعلها ملجأ إليها ؛ لأنّ ما يزال بها من الضرر غير حاضر (ق ، غ ١١ ، ٣٩٥ ، ٦)
ـ اعلم أنّ الكلام في هذه المسألة قد يتعلّق بالعبارة وقد يتعلّق بالمعنى. فالذي يتعلّق منه بالمعنى أنّ الملجأ إلى فعل الشيء أو إلى ألّا يفعله لا يستحقّ المدح على فعله وألّا يفعله. ويفارق في ذلك من يفعل الواجب أو يجتنب القبيح ؛ لأنّهما يستحقّان بذلك المدح (ق ، غ ١١ ، ٣٩٦ ، ٣)
ـ إذا كان ممنوعا عن الفعل الذي فعله فمعنى الإلجاء فيه زائل ؛ لأنّه إنّما يكون ملجأ من حيث تبلغ دواعيه في القوّة المبلغ الذي لا يؤثّر سواه عليه مع قدرته على ذلك. وإذا حصل هناك منع لم يكن السبب الذي له عدل عن إيثار خلافه قوّة الدواعي (ق ، غ ١١ ، ٣٩٧ ، ٥)
ـ إنّ ما يصير ملجأ إليه ، يصير آكد من الواجب ، وإن فارقه في حكمه ؛ ولا تنتهي سائر الواجبات إلى هذا الحدّ. وذلك مما يبيّن لك أن هذا الوجه في الوجوب آكد من سائر الوجوه التي ذكرناها. فإذا صحّ ذلك ، وخاف الضرر إذا هو لم يفعل النظر من وجه صحيح من وجوه الخوف ، وأمّل زوال ذلك بفعل النظر ، فمن حقّه أن يكون واجبا (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٢ ، ١١)
ـ إنّ الملجأ إلى الفعل لا يختاره لحسنه في عقله ، وإنّما يختاره لوجه الإلجاء ، وكذلك الملجأ إلى أن لا يفعله ، لأنّه لا يعدل عنه قبحه في عقله ، لكن لوجه الإلجاء ، فقد صار زوال الإلجاء الداخل في وجه التمكين ، من حيث بيّناه ، وكذلك حصول الشهوة والدواعي المتردّدة لاحتقان بالتمكين ، لأنّه لا يصحّ أن يفعل على الوجه الذي كلّف إلّا معهما أو مع أحدهما ، لأنّ المشقّة والكلفة لا تحصل إلّا بهما ، أو بما يجري مجراهما ، فهذا الشرط جامع لما يتناوله الأمر والنهي ، ثم يختصّ الأمر بأن يكون ما تناوله حسنا وصلاحا ، إما على وجه يقتضي كونه نفلا ، أو على وجه يقتضي كونه واجبا ، إذا كان من باب الشرعيات ، التي تعرف بالأمر أو الإيجاب ؛ ويختصّ النهي بأن يتناول ما يكون قبيحا ، ويكون وجه قبحه كونه فسادا ، أو مانعا من الصلاح على ما بيّناه من قبل (ق ، غ ١٦ ، ٧١ ، ٧)