لا فرق بين أن يكون اللطف من فعله تعالى ، أو من فعل المكلّف ، في أنّه لا بدّ من وجوبه. وبيّنّا أنّه ، لو علمه بالعقل لكان لازما له لأمر يتعلّق بما كلّفه ؛ فيجب أن يلزم تعريفه من جهة السمع (ق ، غ ١٥ ، ٥٠ ، ١٥)
ـ يوصف تعالى بأنّه مكلّف. وقد بيّنا أنّ المراد بذلك إيجاب ما فيه مشقّة وكلفة ، أو الأمر بذلك والإرادة له (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٠٠ ، ١٧)
ـ اختلفت القدريّة في هذا الباب (التكليف). فمن زعم منهم أنّ المعارف ضروريّة زعم أنّ الله تعالى يخلق في العاقل علما بكل ما يريد أن يكلّفه به من أمره ، فإن لم يخلق له علما بشيء لم يكن مكلّفا معرفته ولا الاستدلال عليه. وأمّا الذين قالوا منهم بأنّ العلوم بعضها مكتسب فقد اختلفوا في هذا : فمنهم من قال يلزم العاقل بعد معرفته بنفسه أن يوافي ، بجميع معارف العدل والتوحيد وكل ما كلّف الله تعالى بفعله ، في الحالة الثانية من معرفته بنفسه بلا فصل. فإن لم يأت بذلك في تلك الحالة الثانية من معرفته بنفسه صار عدوّا لله كافرا. هذا فيما يعرفه بعقله ، فأمّا الذي لا يعرفه إلّا بالسمع فعليه أن يوافي بمعرفته في الحال الثانية من حال سماعه للأخبار ولا حجّة عليه فيها قبل انتهاء الخبر إليه الذي يقطع العذر. وهذا قول أبي الهذيل. وقال بشر بن المعمّر (المعتمر) إنّ الحال الثانية حال فكر واعتبار وعليه أن يأتي بالمعارف العقلية في الحال الثالثة. وزعم أكثرهم أنّ المعارف الكسبيّة لا تصاب (لا تستفاد) إلّا بعد سبر ونظر ولا بدّ فيها من إمهال إلى مدّة يمكن استدراك (استدلال) تلك المعارف فيها. وهذا قول الإسكافي وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والكعبي (ب ، أ ، ٢١١ ، ٢)
ـ من لم يبلغ ليس مكلّفا ولا مخاطبا (ح ، ف ٤ ، ٤١ ، ٥)
مكلّف بالإرادة
ـ قال شيوخنا رحمهمالله : لو كلّف تعالى من المعلوم أنّه يؤمن ، لقبح ذلك إذا علم أنّ غيره من المكلّفين يفسد عنده ، ولا يخرج القديم تعالى لو كلّفه من أن يكون معرّضا له للثواب وأن يستحقّ هو الثواب بفعل الطاعة. ولذلك يشترط في التعريض أنّه إنّما يحسن متى كان تعريضا لمنافع يحسن من المعرّض أن يتوصّل إليها ؛ لأنّ تعريض الشيء في حكمه متى انتفى وجوه القبح عنه. ويجري التعريض مجرى الإرادة التي متى تعلّقت بالحسن كانت حسنة ، متى خلت من وجوه القبح. وإن كنّا قد بيّنا في باب الإرادة أنّها متى أثّرت في المراد ، وصار بها على وجه يحسن لوقوعه عليه ، فيجب ألا يحسن لا محالة. فلا يمتنع أن يقال في الإرادة التي هي تعريض المكلّف للوصول إلى الثواب إنّها بهذه الصفة ، وإنّها إنّما تقبح متى عرض في الفعل المراد ما يقتضي قبحه : من كونه مفسدة وما شاكل ذلك. وهذه الجملة ، تقتضي أنّه تعالى إنّما يكون مكلّفا بالإرادة ، والأمر دون إكمال العقل وما شاكله. ولذلك يصحّ منه تعالى أن يكره منه فعل الطاعة ، وإن أكمل عقله. ولا يجوز أن يكون مكلّفا له الفعل ، مع كراهته له ، وزجره عنه ؛ كما لا يكون الواحد منّا مكلّفا غيره إلّا بأن يريد ذلك منه ، ويأمره به ، أو يفعل ما يجري هذا المجرى. ولم نتقصّ هذا الكلام لأنّ ما نريد بيانه من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر لا يتمّ إلّا به (ق ، غ ١١ ، ١٧٨ ، ١٤)