فاعله ، إلّا عند حاجة أو تقدير حاجة. وإذا تعالى القديم عن هذه الصفة ، علم أنّه لا يفعل القبيح ، وأنّه لا يكلّف ما لا يطاق. ولا بدّ من أن يكلّف ويبعث الرسل ، وهذه الأمور واضحة (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٩ ، ١٢)
ـ إنّما نذكر الكلام في الداعي والخاطر لنبيّن أنّ العاقل وإن لم يختلط بمن هذا صفته ، فإنّه يحصل مكلّفا عند ورود أحدهما. فأمّا في مثل هذه الأحوال وهذا الزمان ، وقد انتشرت الدعوة وظهرت أمارات الخوف على ألسنة من لا يحصى ولا يعدّ ، فوجوه الخوف الواردة على من يتكامل عقله أكثر من أن تحصى (ق ، غ ١٢ ، ٣٩٧ ، ٢)
ـ في أنّه تعالى قد أوجب النظر والمعرفة على المكلّفين. قد بيّنا ، من قبل ، أنّه تعالى إنّما يوجب الشيء بأن يعرّف المكلّف وجوبه ووجه وجوبه ، أو ينصب له الدلالة على ذلك ويريده منه. فإذا ثبت ذلك ، وقد بيّنا أنّه تعالى قد عرّفنا وجوب النظر في معرفته تعالى من حيث قرّر في العقول وجوب التحرّز من المضارّ بالوجه الذي يمكن التحرّز منه. وقد بيّنا أنّ الخاطر إذا ورد على الوجه الذي فصّلناه في بابه ، يخاف العاقل لا محالة خوفا لا يتحرّز منه في ظنّه إلّا بالنظر ، فيجب أن يعلم وجوب ذلك عليه ، كما يعلم بعقله وجوب التحرّز من سائر المضارّ. فإذا صحّ ذلك ، وكان تعالى هو الفاعل لهذه المعرفة ، فيجب أن يكون هو المكلّف لها. ولا فرق بين كون العلم بوجوب هذا النظر بعينه ضروريّا أو مكتسبا ، في أنّ على الوجهين جميعا يضاف وجوبه إليه تعالى ؛ فإن كان في أحد الوجهين أوجبه التعريف ، وفي الوجه الآخر ينصب الدلالة (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٩ ، ٣)
ـ إنّ المكلّف وإن عرف باضطرار ما قلنا إنّه يلزمه من المعارف ، فلن يخرج عن أن يكون تكليفه دائما. لأنّه يلزمه الامتناع من الظلم والكذب وسائر القبائح ، وعلى النفس في ذلك مشقّة ؛ ويلزمه الإقدام على ما يلزم في العقل ، وإن انضاف إلى ذلك الواجبات الشرعيّة كان ذلك أعظم ؛ فكيف يمكن القطع على أنّ قدر ما يستحقّ به يجوز التفضل بمثله؟ ويبيّن ذلك ما نقوله من أنّ المكلّف يجوز أن يقتصر في التكليف على العقليّات. فلو أنّ بعض من خالف في ذلك وزعم أنّه لا بدّ من شرع ، تعلّق بهذه الدلالة وقال : إنّ قدر ما يستحقّ بالعقليّات يقلّ ويحسن التفضّل بمثله فلا بدّ من شرع ينضاف إليها ، لكان إنّما يفسد قوله ما قدّمنا ذكره. فكذلك القول في صحّة ما ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٥١٤ ، ١٧)
ـ إنّ من حقّ الاعتقاد أن لا يحسن من المكلّف أن يقدم عليه إلّا تابعا لغيره مما يخرج به من أن يكون في حكم المبخّت الجاهل. ومتى أقدم عليه ، لا على هذا الوجه كان مقدما على قبيح. كما أن الخبر لا يحسن منه الإقدام عليه ؛ إلّا مع العلم بحال المخبر ، وإلّا كان في حكم الكاذب. وإنّما يخرج الاعتقاد من أن يكون كذلك ، بأن يقع عن النظر في الأدلّة ، أو بأن يفعله مع تذكر الأدلّة. لأنّه متى كان كذلك أمن فيه أن يكون جهلا ، ومتى أقدم عليه لا على هذا الوجه لم يأمن كونه جهلا. وقد علمنا أنّه كما يقبح الجهل ، فكذلك يقبح الإقدام على ما لا يأمنه جهلا ؛ بل لو لم يقبح ذلك ، لم يقبح الجهل. وذلك لأنّ المكلّف قبل إقدامه على الاعتقادات لا يعرف أنّه جهل ، وإنّما يعرف ذلك من بعد. فلو لم يقبح الإقدام على ما لا