يكلّف السبب. فمتى بيّنا وجوه كونه متمكّنا من فعل ما كلّف دخل فيه ذلك ، ودخل فيه أنه يجب كونه متمكّنا من الإرادة إذا كلّف الفعل الذي يقع على بعض الوجوه بالإرادة ؛ لأنّ من حقّ الإرادة ألّا تحصل جهة لفعله إلا إذا وقعت من قبله ، ولم يكن مضطرّا إليها. وتفارق العلم في ذلك ؛ لأنّ العلم بالفعل المحكم قد يصحّ وإن كان مضطرّا إلى أن يفعله وألّا يفعله ؛ فلا يخرج من حيث كان مضطرّا إلى العلم من أن يكون الفعل واقعا من قبله على طريقة الاختيار. ولو اضطرّه الله ـ تعالى ـ إلى إرادة الخير لم يصحّ أن يفعل ذلك الفعل منه على خلاف ذلك الوجه. وإذا صحّ أنها إنما تؤثر في أفعاله إذا كانت من قبله ، دخل ذلك تحت ما بيّناه من التمكين ؛ لأنها كالسبب في هذا الوجه (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ٤)
ـ قد يعلم (المكلّف) السبب وإن لم يعلمه سببا ، لأنّ العلم بأنّه سبب غير العلم بذاته وسائر صفاته. وهذا بمنزلة ما نقوله من أنّه قد يعرف الدلالة وصفاتها ، وإن لم يعلم أنّها دلالة ؛ لأنّ العلم بأنّها دلالة ، يقتضي العلم بأنّ المدلول على ما دلّت عليه. فكذلك العلم بأنّ السبب سبب يقتضي أنّه يولّد ويوجب ، والعلم بذاته ووجوده ومفارقته لغيره لا يقتضي ذلك. فلا يمتنع أن يعرف المكلّف النظر في أنّه مخصوص ، ويميّزه عن غيره ، وإن لم يعلم فيه أنّه سبب ، وفي المنظور في أنّه دليل ، إلّا بعد اختياره. وقد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يعلم في النظر أنه يولّد في الجملة ، والذي يمنع منه أنّه يولّد علما مخصوصا ، لأنّ تقدّم علمه بذلك يغني عن النظر ويمنع منه. فإن أراد المريد هذا القول ، فقد أجبنا إليه ؛ وإن أراد أنّه يجب أن يعلم عين المعرفة المتولّدة ، فقد ثبت أن فقد العلم بها لا يمنع من صحّة إيجاده للنظر (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٤ ، ١٥)
ـ بيّن (أبو علي) أنّ المعرفة ، وإن لم يعلم الناظر أنّها تصاب بعينها بالنظر ، فمتى علم من حال سببها ، وهو النظر ، ما ذكرناه ، فواجب عليه المعرفة بوجوب سببها ، من حيث يجب وجودها بوجوده وإن لم يكن من قبل عالما بها. وبيّن أنّ ما علم وجوبه من السمعيّات ، أو بعد ورود السمع من العقليّات ، إنّما يجب على المكلّف لعلمه بقبح تركه. وأنّ هذه الطريقة قائمة في النظر والمعرفة ، فيجب القضاء بوجوبهما ، وإن لم يرد السمع (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٥ ، ١٤)
ـ الذي لا يسع المكلّف جهله من ذلك قريب واضح ، لأنّه إذا علم بغير الأحوال على الأشخاص ، علم أنّ هناك معنى سواه ، وإذا علم أنّه مرة يجتمع ومرّة يفترق ، علم جواز العدم عليها وأنّه محدثه. وإذا علم أنّ الجسم لا يجوز وهو على ما هو عليه من التحيّز إلّا أن يكون متجاورا أو مفترقا ، علم أنّه لا يتقدّم الحوادث. وقد تقرّر في عقله أنّ ما لا يتقدّم جنسين لكل واحد منهما أوّل ، يجب أن يكون له أوّل. وقد علم أنّ الفعل لا بدّ له من فاعل ، وإن كان محكما ففاعله يجب أن يكون عالما قادرا ويجب أن يكون حيّا قادرا لم يكن به آفة ، فواجب أن يكون سميعا بصيرا. فإذا لم يكن له فاعل ، فواجب أن يكون قديما إذا كان موجودا. فمتى علم الأفعال المحكمة ، كخلق الإنسان الذي يتعذّر على القادر منّا ، علم أنّ فاعله بهذه الصفات. وقد علم في الجملة أنّ القبيح لا يؤثره العالم بقبحه وبنقص