في الآخر من الآخر فيه وكل هذا فاسد ومحال بالضرورة (ح ، ف ١ ، ٢٦ ، ٢٣)
ـ قال رحمهالله (أبو علي) : ينبني على هذه الجملة معنى المكان ، وهو عندنا مانع الثقيل من النزول على وجه ثقله عند اعتماده عليه. وقال أبو القاسم : هو المحيط بغيره من جميع جوانبه ، وهذا خطأ في العبارة لأنّ أهل اللغة لا يسمّون القميص مكانا للواحد منّا ، مع إحاطته به من جوانبه. وعلى هذا لا يقولون إنّه تمكّن على القميص ولا يسمّون القلنسوة ، مع إحاطتها بالرأس ، مكانا ، ولا يقولون في القنديل المعلّق أنّه في مكان ، وإن كان الهواء محيطا به لمّا لم يكن في شيء من هذه المواضع ، تمكّن على شيء يقلّه (أ ، ت ، ٤٨٤ ، ٣)
ـ بنى أبو القاسم ، رحمهالله ، على قوله إنّ المتحرّك لا يتحرّك إلّا في مكان ، وجعل المكان ما أحاط بغيره ، فلما قال بذلك زعم أنّ الذي فارق ما أحاط به هو الصفحة العليا لمفارقتها الهواء المحيط بها دون الأجزاء الباطنة من حيث أنّها لم تفارق ما أحاط بها ، بل هي بحالها. ونحن لا نقول في المتحرّك أنّه المفارق لما أحاط به ، بل نعني به أنّه الكائن في جهة عقيب كونه في جهة غيرها ، فيبطل ما بنى عليه. وأما من جهة الاسم فمعلوم أنّ أهل اللغة يسمّون الطائر متحرّكا في الجو وإن لم يعتقدوا هناك هواء هو مكان له ، فليست حقيقته إلّا ما قلناه (أ ، ت ، ٤٩٣ ، ١٦)
مكتسب
ـ إذا وجب أن يعرفه (الفعل المكلّف) فحصول هذه المعرفة تكون له بطريقين : أحدهما بأن يفعل الله تعالى فيه العلم به وهو الذي نسمّيه ضروريّا. والثاني بأن ينصب له على ذلك دلالة يستدلّ بها فيفعل هو العلم ، وفي كلّ الوجهين لا بدّ من أن يفعل الله تعالى ما معه يتمكّن من العلم بصفة ما قد كلّف وإن اختلفت حال هذين العلمين. فإذا كان ضروريّا تناول جمل الأفعال وأفعالا على أوصاف إنّها إذا كانت بصفة كيت وكيت فهي قبيحة أو واجبة أو حسنة ، وهذا هو الذي يجري في الكتب أنّ العلم بأصول المقبّحات والمحسّنات والواجبات ضروريّ. وإذا كان مكتسبا يتناول أعيان الأفعال (ق ، ت ١ ، ٣ ، ٢٥)
ـ قالوا (الجهمية وأتباعهم) : إنّ العبد يكسب أفعاله ، وإن كانت مخلوقة لله تعالى وحادثة من جهته. ومنهم من قال : إنّ العبد يفعل ، ومنهم من أبي ذلك. وغرض الكل متّفق في أنّ حدوث الفعل بالله سبحانه ، وأنّ العبد يكتسب ولا يحدث. وزعموا أنّ العبد يحسن أمره ونهيه وذمّه ومدحه ، من حيث كان مكتسبا (ق ، غ ٨ ، ٨٤ ، ٤)
ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمهالله ، فقد قال في الاكتساب : إنّه الفعل الذي يكتسب به لنفسه خيرا أو شرّا ، أو ضرّا أو نفعا ، أو صلاحا أو فسادا. والمكتسب غير الاكتساب ، لأنّ الاكتساب هو تجارته وبيعه وشراؤه ، والمكتسب هو المال ؛ ولذلك لا يوصف تعالى بالاكتساب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ٦)
ـ إنّ المكتسب ليس له بكونه مكتسبا حال ، لأنّه لو كان معقولا لما زاد حاله على الحدوث ـ وقد علمنا أنّ الحدوث لا يوجب للمحدث حالا ، فالكسب إن كان معقولا أولى بذلك ، وهو دون الحدوث (ن ، د ، ٣٢٠ ، ٧)