على ما هو مقدور لغيره. فلهذا لا يصحّ أن يكون جلّ وعزّ موصوفا فيما لم يزل بالقدرة على مقدور يصحّ كونه مقدورا لغيره ، وإن لم يكن في الحال مقدورا لغيره. وصار هذا حكما واحدا يعلّل تارة بصحّة كونه مقدورا لغيره وتارة بكونه مقدورا لغيره. ولا نكاد نوجد في الأحكام ما يستحقّ لعلّتين مختلفتين باختلاف الحالين إلّا ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ١٥)
ـ جملة مقدورات قدرة العباد لا تخرج عن طريقين. فإمّا أن تضاف إلى أفعال القلوب. وإمّا أن تضاف إلى أفعال الجوارح. والمراد بكونه من أفعال الجوارح أنّه يوجد في الجوارح حتى يصحّ منّا فعله فيها. وما يضيفه إلى أفعال القلوب فهو الذي لا يصحّ وجوده لا في القلب سواء كان الفاعل له أحدنا أو كان تعالى هو الفاعل له ، ولأجل ذلك لم يجعل القلب آلة وإلّا كان يصحّ منه تعالى أن يوجد هذه الأفعال في غير القلوب وهذا ممتنع. وإمارة ذلك هو كلّما تصدر عنه للحي حال ، فإنّ هذا يعدّ من أفعال القلوب ، ثم قد يكون مما يقدر عليه العباد وقد يكون مما لا يقدرون عليه (ق ، ت ١ ، ٣٦٦ ، ٣)
ـ اعلم أنّ في أفعالنا ما هو متولّد كما أنّ في أفعالنا ما هو مبتدأ. فكما أنّ جملة مقدوراتنا تنقسم إلى ما يكون من أفعال القلوب ومن أفعال الجوارح ، فالمتولّد منها يثبت في أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فأمّا أفعال القلوب فليس يحصل شيء منها مسبّبا إلّا العلم. وأمّا أفعال الجوارح فثبت التوليد في الآلام والتأليف والأصوات والأكوان والاعتماد ، وليس يخرج جميع أفعال الجوارح عن هذه الخمسة ، وفي كلّها يثبت التوليد وإن كان بعضها كما يثبت متولّدا يثبت مبتدأ ، وبعضها لا يصحّ أن يقع إلّا متولّدا ، وليس إلّا الأصوات والتأليف والآلام. وأفعال القلوب ما كان منه متولّدا فإنّه يصحّ وقوع جنسه مبتدأ وهو العلم. وأمّا الذي يولّد فهو الاعتماد والكون من أفعال الجوارح ، والنظر من أفعال القلوب فقط. والذي يولّده الاعتماد هو اعتماد آخر. والكون من حركة أو سكون والصوت. والذي يولّده الكون هو التأليف والآلام ، والذي يولّده النظر هو العلم. وما خرج عن هذه الجملة فليس يجوز وقوعه إلّا مبتدأ نحو الإرادة والكراهة والظنّ والفكر. ثم تنقسم هذه المسبّبات ففيه ما يتولّد عن السبب في الثاني ، ومنه ما يتولّد في الحال ، والذي يولّد في الثاني ليس إلّا النظر والاعتماد ، وما يتولّد عن الكون فإنّه يجاوز ولا يتراخى. والطريقة التي بها يعرف أنّ الشيء يولّد أن يحصل غيره بحسبه. وإمارة توليده أن يحصل بحسب غيره. فكل ما يثبت فيه هذا الوجه قضينا بأنّه متولّدا. وما ليس هذا حاله أخرجناه عن هذه الجملة. وإمارة ما يتعذّر فعله منّا إلّا بسبب هو أنّه لا يتمكّن من فعله إلّا عند فعل آخر نوقعه بحسبه إذا زالت الموانع (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٤)
ـ إنّ أجناس المقدورات على ضربين : أحدهما يختصّ هو تعالى بالقدرة عليه ، فلا كلام في ذلك. ومنها ما يقدر أحدنا عليه ، وكل واحد من ذلك عليه دليل عقليّ يقتضي كونه تعالى قادرا عليه ؛ والكون يجب أن يقدر عليه ، من حيث ثبتت قدرته على الجواهر التي وجودها مضمّن بوجوده ، فلا يصحّ أن يوجدها إلّا بأن يوجد فيها الكون. فلو لم يكن قادرا عليه لم يصحّ منه إيجاد الجوهر ، كما أنّ الواحد منّا لا