يوجد عليه ؛ لأنّ من حق القادر ، إذا لم يوجد ما يقدر عليه ، أن يكون مقدوره معدوما ، كما أنّ من حق القادر ، إذا وجد ما يقدر عليه ، أن يكون مقدوره موجودا. ولا فرق بين من قال إنّه إنّما يجب كون مقدوره معدوما إذا لم يوجد من جهة قادر آخر ، فأمّا إذا وجد من جهته ، لم يجب كونه معدوما ، وبين من قال إنّ مقدوره إنّما يجب كونه موجودا متى وجد من جهته ، ومن جهة كل من يقدر عليه. فأمّا إذا وجد من جهة أحدهما ، لم يجب كونه موجودا ، وفساد ذلك يقضي بفساد الأول (ق ، غ ٤ ، ٢٦٣ ، ١٣)
ـ استدلّ شيخنا أبو هاشم رحمهالله على أنّ المقدور الواحد لا يجوز كونه مقدورا لقادرين بأن قال : " لو صحّ ذلك ، كان لا يمتنع أن يفعل أحدهما القبيح ، وإن بذل الآخر مجهوده في أن لا يفعله ، وهذا يؤدّي إلى أن يستحقّ من بذل المجهود في الانصراف عن القبيح الذمّ ، وقد علمنا فساد ذلك ؛ ويؤدّي إلى أن أحدهما لو فعل الواجب لوجوبه أن يستحقّ الآخر المدح ، وإن اجتهد في الانصراف عنه (ق ، غ ٤ ، ٢٦٤ ، ٩)
ـ أما المجبرة الذين ينفردون بالقول بالجبر ، فلا سبيل لهم إلى نفي ثان مع الله سبحانه لوجوه : منها أنّ من قولهم تجويز مقدور واحد لقادرين : أحدهما قديم ، والآخر محدث ، وذلك يمنعهم من العلم بأنّ المقدور الواحد يستحيل كونه مقدورا لقادرين قديمين لو كان للقديم جلّ وعزّ ثان ، والأدلّة التي تعتمد في نفي الثاني مثبتة عليه ، فيجب أن يمنعهم ذلك من العلم بالتوحيد (ق ، غ ٤ ، ٣٤٣ ، ٦)
ـ قولهم (المجبرة) : إنما تجوّز كون مقدور واحد لقادرين على وجهين ، أحدهما كسبا ، والآخر اختراعا. فأمّا على وجه واحد فإنّا نحيله ، ولذلك نحيل مقدورا واحدا من قادرين مكتسبين ، وكذلك نحيل ذلك من قادرين مخترعين (ق ، غ ٤ ، ٣٤٣ ، ١٠)
ـ قد دللنا على أنّ من حق القادر لنفسه أن يقدر على كل جنس تتناوله القدرة ، لأنّه لا يجوز أن يقصر حاله فيما يقدر عليه عن حال القدرة ، مع علمنا بأنّها لا تتعدّى في التعلّق الجزء الواحد من الجنس الواحد في الوقت الواحد ، وأنّ القادر لنفسه يجب أن يقدر على ما لا نهاية له من هذا الوجه. فإذا صحّ ذلك وثبت أنّ الكلام يقدر عليه بالقدرة ، فيجب كونه ـ تعالى ذكره ـ قادرا عليه. وإنّما لا نقول إنّه قادر على مقدور غيره ، أو ما يصحّ كونه مقدورا لغيره ، لما يؤدّي إليه من إثبات مقدور واحد لقادرين ، إلى غير ذلك مما بيّنا فساده. وإثباته قادرا على جنس الكلام لا يؤدّي إلى شيء من ذلك ، فيجب القضاء بفساده (ق ، غ ٧ ، ٥٥ ، ٩)
ـ إنّ كل قادر يجب كون الشيء مقدورا له عند العدم ، يجب كونه مفعولا له عند الوجود. فلا يصحّ ، لو كان المقدور الواحد مقدورا لقادرين ، أن يحصل عند الوجود فعلا لأحدهما دون الآخر. لأنّه لا يخلو القول فيه ، لو لم يكن فعلا لهما جميعا ، من وجهين : إمّا أن يقال : إنّه يجوز وقوعه منهما جميعا ، لو أحدثاه على وجه واحد ؛ أو يقال : إنّه يحدث ، منهما ، على وجهين. ولا يجوز أن يقال بالوجه الثاني ، لأنّا قد دللنا ، في باب قبل هذا ، على استحالة حدوث الشيء من وجهين ؛ فلو صحّ حدوثه ، منهما ، على وجهين ، لوجب ما قدّمناه من صحة كونه موجودا معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ١٨)