ـ إنّ المقدور الواحد لو كان مقدورا لقادرين ، لوجب كونه فعلا لهما ، متى وجد ؛ وكذلك لو كان مقدورا بقدرتين ، لوجب كونه مفعولا بهما ، متى وجد. فإذا صحّ ذلك ، فالذي يدلّ على استحالة كونه مقدورا لقادرين أنّه لا يستحيل في كل قادرين أن تختلف دواعيهما ، فيدعو أحدهما الداعي إلى فعل شيء ، ويدعو الآخر الداعي إلى الانصراف عنه. كما لا يستحيل فيهما أن يريد أحدهما الشيء دون الآخر ، ويعلم أحدهما الشيء دون صاحبه. وإنّما يستحيل ذلك أو بعضه في قادرين قديمين ، لو كانا. فأمّا إذا استحال إثبات قادرين قديمين ، ولم يكن إلّا قادرين محدثين ، أو قديم ومحدث ، فالذي ذكرناه صحيح. وإذا صحّ ذلك ، فيجب ، لو قدرا على الشيء الواحد ، أن لا يمتنع أن يفعله أحدهما ؛ لأنّ الداعي دعاه إلى فعله ، فيريده ويقصد إليه ، وينصرف عنه الآخر فيكره إيجاده. فعند ذلك لا يخلو من أن يوجد أو لا يوجد ؛ فإن وجد ، أدّى إلى كونه فعلا لمن اجتهد في الانصراف عنه ، وكره إيجاده ، وقويت دواعيه في أن لا يفعله. وهذا يوجب إثبات الفعل لمن يجب أن ينفي عنه أو لا يوجد ذلك ؛ فيجب نفي الفعل عمّن يجب إثباته فاعلا ؛ وفي هذا فساد الطريق الذي نعلم به الفاعل فاعلا ، والذي ينفي به الفعل عن القادر ؛ وهذا يبطل طريق معرفة الأفعال أصلا. ولا يمكن أن يقال : أنّه يوجد ، فيكون فعلا لأحدهما دون الآخر ، لما قدّمناه من قبل. ولا يصحّ أن يقال : إنّما يجب أن ينفي كونه فاعلا ، إذا كره الشيء واجتهد في الانصراف عنه ، متى كان ذلك الشيء مقدورا له فقط. فأمّا إذا كان مقدورا لغيره أيضا ، فلا يجب ذلك فيه. وذلك لأنّه لا فرق بين من قال ذلك ، وبين من قال : إنّما يجب إثباته فعلا له ، متى أراد إيجاده وقويت دواعيه إليه ، بأن يكون مقدورا له فقط. وأمّا إذا كان مقدورا لغيره أيضا ، فلا يجب ذلك فيه. وهذا يؤدّي إلى أن لا يكون ذلك الفعل بالوجود ، أولى منه بأن لا يوجد ، لو كان مقدورا لهما جميعا (ق ، غ ٨ ، ١١٤ ، ١١)
ـ لو صحّ كون الشيء الواحد مقدورا لقادرين ، كان لا يمتنع أن يحصل أحدهما ملجأ إلى أن لا يفعله ، والآخر ملجأ إلى فعله ؛ أو يحصل أحدهما ملجأ إلى أن يفعل أو لا يفعل ، والآخر مختار. فكان يجب في هذا المقدور أن يجب وجوده من حيث كان أحد القادرين ملجأ إلى إيجاده ؛ ويجب أن لا يوجد من حيث كان الآخر ملجأ إلى أن لا يفعله ؛ ويصحّ أن لا يوجد من حيث كان مختارا ؛ وهذا محال. فيجب فساد القول ، بجواز كون مقدور واحد لقادرين (ق ، غ ٨ ، ١١٩ ، ٢٠)
ـ إنّ الشحام أجاز كون مقدور واحد لقادرين يصحّ أن يحدثه كل واحد منهما على البدل ، وكذلك حكاه الكعبيّ في كتاب عيون المسائل على أبي الهذيل (ب ، ف ، ١٧٨ ، ٨)
ـ الصفاتيّة لا يثبتون خالقين ، وإنّما يجيزون كون مقدور واحد لقادرين : أحدهما خالقه ، والآخر مكتسب له. وليس الخالق مكتسبا ، ولا المكتسب خالقا (ب ، ف ، ١٧٨ ، ١٠)
مقدور محكم
ـ إنّ المقدور الذي يوقعه محكما لو لم يختصّ به ، لكان إيقاعه محكما يصحّ من جهة كلّ عالم ، وإنّما لا يصحّ إلّا من حيث اختصّ بكونه مقدورا لبعضهم ، ولذلك يصحّ من غيره أن