كونهما قادرين على مقدور واحد ، من حيث كان المقدور قد يحصل على صفة من الصفات من جهة القادر ، لأنّ القادر يتعلّق بالمقدور على ما هو به ، فإذا كانت الصفة التي تحصل من جهة القادر لا يصحّ حصولها إلّا من جهة قادر واحد ، اختصّ المقدور لهذه العلّة بقادر دون قادر. وليس كذلك المعلوم ، لأنّه لا يحصل من جهة العالم على صفة لا يصحّ الاشتراك فيها ، فيقضي لأجل ذلك بأنّه يختصّ بعالم دون عالم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٤ ، ٩)
ـ ليس لأحد أن يقول : أليس قد صحّ كون المعدوم مقدورا ، وهذا الحكم قد اختصّ حال العدم ، فيجب أن يكون له بكونه معدوما حال. وذلك لأنّ قولنا : إنّه مقدور ، إنّما يفيد أنّ القادر عليه يصحّ أن يوجده ، ويحصل له هذا الحكم ؛ وذلك لا يدلّ على أنّ له حالا قد اختصّ بها ، تضادّ الوجود ؛ لأنّ صحّة حصول الصفة ، لا يقتضي ثبوت ما يضادّها (ق ، غ ٨ ، ٧٥ ، ١٧)
ـ إنّ من حق المقدور أن يكون معدوما ، كما أنّ من حق المفعول أن يكون موجودا. فكما أنّ خروجه إلى الوجود يحيل كونه مقدورا ، فكذلك بقاؤه مقدورا يوجب كونه معدوما. ولذلك قلنا : إنّ وجود المقدور يخرجه من كونه واجبا ؛ وأنّه لو لم يخرج بذلك من كونه واجبا لأدّى إلى أن لا يخرج من كونه واجبا أبدا. فإذا صحّ ذلك ، وكان هذا الشيء مقدورا من كلا الوجهين ، فيجب كونه معدوما منهما. فإذا فعل من أحدهما ، فالوجه الآخر ، في أنّه يجب أن يبقى معدوما ، كهو لو لم يوجد من كلا الوجهين (ق ، غ ٨ ، ١٠٢ ، ١)
ـ إنّ من حق المقدور أن يكون معدوما ، ما لم يحدثه القادر عليه على الوجه الذي قدر عليه. فإذا صحّ ذلك ، فلو صحّ كون الشيء مقدورا من وجهين ، لوجب أن لا يوجد أصلا من حيث لم يحدثه على أحد الوجهين ، وأن يوجد من حيث يحدثه على الوجه الآخر ، فيؤدّي إلى أن يكون موجودا غير موجود (ق ، غ ٨ ، ١٠٢ ، ٢٠)
ـ استدلّ شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، ... بأنّ المقدور الواحد لو كان مقدورا لله ، تعالى ، وللعبد ، لوجب أن يكون أحدهما بفعله له مدخلا للآخر في الفعل ، مع أنّه بمنزلة القادر الآخر. ومن كان حاله ، لم يصحّ وقوع الفعل منه على هذا الوجه ، أن يكون مدخلا فيه. فإذا كان هذا المذهب يعرى الله ، فيجب فساده (ق ، غ ٨ ، ١٢٢ ، ١٠)
ـ إنّ المقدور قد يجوز أن يكون مما لا ضدّ له ، فلا يجب أن يكون القادر عليه قادرا على ضدّه ، وإذا لم يجب ذلك في الضدّ فبأن لا يجب في الترك أولى ، لأنّ الترك يجب أن يكون ضدّا ، وتجب فيه صفات زائدة على كونه كذلك ، ولا بدّ لهذا السائل مما قلناه في القديم سبحانه خاصة ، لأنه تعالى لا يوصف بالترك فلا يمتنع أن يكون قادرا على الشيء وإن لم يوصف بالقدرة على تركه من حيث كان الترك والمتروك يجتمعان في وجوب حلولهما في محلّ القدرة ، وصحّة وجود كل واحد منهما بدلا من صاحبه في وقت واحد من قادر واحد فغير ممتنع مثله في الواحد منّا في بعض ما يقدر عليه ، وإنّما يجب ذلك فيما له ترك ، لأنّه إذا كان كذلك لم يصحّ أن يقدر عليه ولا يقدر على تركه ، كما يجب إذا كان له ضدّ وقدر عليه أن يكون قادرا على ضدّه ، فأمّا إذا لم يكن له ترك