المتشابه كالمحكم في ذلك ، وفي سائر ما يرجع إلى جنسه وصفته ، فيجب أن يكون المراد بذلك أنّه أحكم المراد به بأن جعله على صفة مخصوصة ـ لكونه عليها تأثير في المراد ـ وقد علمنا أنّ الصفة التي تؤثّر في المراد هي أن توقعه على وجه لا يحتمل إلّا ذلك المراد في أصل اللغة ، أو بالتعارف ، أو بشواهد العقل. فيجب فيما اختص بهذه الصفة أن يكون محكما ، وذلك نحو قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) (الإخلاص : ١ ـ ٢) (ق ، م ١ ، ١٩ ، ٣)
ـ إنّ المحكم له بكونه محكما حكم زائد على حدوثه. فإذا كان له حكم زائد على حدوثه فلا يقع على ذلك الحكم إلّا بوجه يؤثّر فيه ، فما يؤثّر فيه من الوجوه لا بدّ أن يقارنه ، كما نقول في وجه القبح والحسن والوجوب والندب ، إنّها لا بدّ من أن تكون مقارنة لهذه الأحكام لأنّها كالعلل فيها. وليس كذلك الحدوث ، فإنّه مجرّد الصفة ، وليس هناك حكم زائد ، ولا يحتاج إلى أمر زائد على كونه قادرا (ن ، د ، ٥٠٧ ، ٣)
ـ أمّا المحكم في اللغة فالعرب تقول حكمت وأحكمت وحكمت بمعنى رددت ومنعت ، والحاكم يمنع الظالم عن الظلم ، وحكمة اللجام يمنع الفرس عن الاضطراب ، وفي حديث النخعي أحكم اليتيم كما تحكم ولدك أي أمنعه عن الفساد ، وقوله أحكموا سفهاءكم أي امنعوهم ، وبناء محكم أي وثيق يمنع من تعرّض له. وسمّيت الحكمة حكمة لأنّها تمنع الموصوف بها عمّا لا ينبغي (ف ، س ، ٢١٨ ، ٤)
ـ أمّا في عرف العلماء فاعلم إنّ الناس قد أكثروا في تفسير المحكم والمتشابه ، وكتب من تقدّم منّا مشتملة عليها ، والذي عندي فيه أنّ اللفظ الذي جعل موضوعا لمعنى فإمّا أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى أو لا يكون ، فإن كان موضوعا لمعنى ولم يكن محتملا لغيره فهو النص ، وإن كان محتملا لغير ذلك المعنى فإمّا أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر ، وإمّا أن لا يكون ، بل يكون احتماله لهما على السويّة. فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على احتماله للآخر فكان ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجع ظاهرا وبالنسبة إلى المرجوح مؤوّلا. وأمّا إن كان احتماله لهما على السويّة كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا ، وبالنسبة إلى كل واحد منهما على المعنيين محتملا. فخرج من هذا التقسيم أنّ اللفظ إمّا أن يكون نصّا أو ظاهرا أو مجملا أو مؤوّلا ، فالنصّ والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، إلّا أنّ النصّ راجح مانع من النقيض ، والظاهر راجح غير مانع من النقيض ، فالنص والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، فهذا القدر هو المسمّى بالمحكم. وأمّا المجمل والمؤوّل فهما يشتركان في أنّ دلالة اللفظ غير راجحة إلّا أنّ المجمل لا رجحان فيه بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين ، والمؤوّل فيه رجحان بالنسبة إلى طرف المشترك وهو عدم الرجحان بالنسبة إليه ، وهو المسمّى بالمتشابه ، لأنّ عدم الفهم حاصل فيه (ف ، س ، ٢١٩ ، ١)
ـ إنّ حمل اللفظ على معناه الراجح هو المحكم ، وحمله على معناه الذي ليس راجحا هو المتشابه (ف ، س ، ٢٢٤ ، ١)
ـ عالم (الله) ، خلافا لقدماء الفلاسفة. لنا : أفعاله محكمة حسّا ، والكبرى بديهيّة. ـ قيل :