ـ كذلك كان (الأشعري) يقول في وصف المحكم والمتشابه إنّ ذلك يرجع إلى العبارة التي تبيّن عن المعنى بنفسه ، والمتشابه يرجع إلى العبارة المشتبهة التي تحتمل الشيء وخلافه (أ ، م ، ٦٤ ، ٧)
ـ نذكر بعد ذلك حقيقة المحكم والمتشابه ، فالمحكم ما أحكم المراد بظاهره ، والمتشابه ما لم يحكم المراد بظاهره بل يحتاج في ذلك إلى قرينة ، والقرينة إمّا عقليّة أو سمعية ، والسمعية إمّا أن تكون في هذه الآية ، إمّا في أوّلها أو آخرها ، أو في آية أخرى من هذه السورة أو من سورة أخرى ، أو في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قول أو فعل ، أو في إجماع من الأمّة. فهذه حال القرينة التي نعرف بها المراد بالمتشابه ونحمله على المحكم (ق ، ش ، ٦٠٠ ، ١٥)
ـ إنّ المحكم كالمتشابه من وجه ، وهو يخالفه من وجه آخر : فأمّا الوجه الذي يتّفقان فيه فما قدّمنا من أنّ الاستدلال بهما أجمع لا يمكن إلّا بعد معرفة حكمة الفاعل وأنّه لا يجوز أن يختار القبيح ، لأنّ الوجه الذي له قلنا ذلك ، لا يميّز المحكم من المتشابه ، كما أنّ خطابه صلىاللهعليهوسلم لمّا لم يمكن أن تعلم صحّته إلّا بالمعجز ولم يميّز ذلك بين المحتمل من كلامه وبين المحكم منه ، حلّا محلّا واحدا في هذا الباب. وأمّا الوجه الذي يختلفان فيه ، فهو أنّ المحكم إذا كان في موضوع اللغة أو لمضامّة القرينة ، لا يحتمل إلّا الوجه الواحد ، فمتى سمعه من عرف طريقة الخطاب وعلم القرائن أمكنه أن يستدلّ في الحال على ما يدلّ عليه. وليس كذلك المتشابه ، لأنّه وإن كان من العلماء باللغة ويحمل القرائن ، فإنّه يحتاج عند سماعه إلى فكر مبتدأ ونظر مجدّد ليحمله على الوجه الذي يطابق المحكم أو دليل العقل. ويبيّن صحّة ذلك أنّه عزوجل بيّن في المحكم أنّه أصل للمتشابه ، فلا بدّ أن يكون العلم بالمحكم أسبق ليصحّ جعله أصلا له ، ولا يتمّ ذلك إلّا على ما قلناه. فأمّا إذا كان المحكم والمتشابه واردين في التوحيد والعدل فلا بدّ من بنائهما على أدلّة العقول ، لأنّه لا يصحّ ممن لم يعلم أنّه جلّ وعزّ واحد حكيم لا يختار فعل القبيح ، أن يستدلّ على أنّه جلّ وعزّ بهذه الصفة بكلامه. فالمحكم في هذا الوجه كالمتشابه ، وإنّما يختلفان في طريقة أخرى ، وهي أنّ المخالفين في التوحيد والعدل يمكن أن نحاجّهم بذكر المحكم ونبيّن مخالفتهم لما أقرّوا بصحّته في الجملة ، ويبعد ذلك في المتشابه (ق ، م ١ ، ٦ ، ٨)
ـ أمّا إذا كان الكلام مما يدلّ على الحلال والحرام فلا بدّ من أن يكون للمحكم مزية على المتشابه من الوجه الذي قدّمناه ، وهو في أن يدلّ ظاهره على المراد ، أو يقتضي ما يضامّه أنّه مما لا يحتمل إلّا الوجه الواحد من حمل الأدلّة. وليس كذلك المتشابه ، لأنّ المراد به يشتبه على العالم باللغة ويحتاج إلى قرينة محدّدة في معرفة المراد به : إمّا بأن يحمل على المحكم ، أو بأن يدلّ عليه كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إلى ما يجري مجراه. فالمزية له قد ظهرت في هذا الباب (ق ، م ١ ، ٩ ، ٦)
ـ إنّ المحكم إنّما وصف بذلك لأنّ محكما أحكمه ، كما أنّ المكرم إنّما وصف بذلك لأنّ مكرما أكرمه ، وهذا بيّن في اللغة. وقد علمنا أنه تعالى لا يوصف بأنّه أحكم هذه الآيات المحكمات من حيث تكلّم بها فقط ، لأنّ