وإن كان حكمه في نفسه يختلف في الوجود. ألا ترى أنّ أحكام الأفعال المباشرة قد تختلف في الوجود ، ففيها ما يحتاج إلى محلّه فقط ، وفيها ما يحتاج إلى محلّ على صفة ، ولم يمنع ذلك من اشتراكهما في أنّ ما به يعلم أحدهما فعلا لفاعله يعلم الآخر فعلا له (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ١١)
ما قدّمناه في المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٦)
ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ الواحد منّا يجوز أن يفعل المباشر وهو عاجز لأنّ فناء القدرة في حال الفعل لا يمتنع عندنا على ما سندلّ عليه من بعد ، وإذا جاز مع فنائها الفعل لم يمتنع أيضا مع وجود العجز ، وكذلك يصحّ أن يفعل مع الموت كل فعل لا يحتاج في وجوده إلى الحياة ، ولذلك يصحّ من القادر منّا أن يقتل نفسه فيكون فاعلا للقتل في حال يستحيل كونه حيّا وقادرا. وإنّما يستحيل أن يفعل أفعال القلوب في حال الموت لحاجتها في الوجود إلى الحياة ، فلذلك فارقت الحركات وغيرها من أفعال الجوارح. وإذا صحّ ذلك في المباشر فتجب صحّته في المتولّد وإن كان يختصّ المتولّد بأنّه لا يحلّ بعضه فيصحّ لأجل ذلك وجوده مع فنائه لو صحّ في الأجسام فناء بعضها مع بقاء سائرها (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ٦)
ـ إنّ الفعل لا يحتاج إلى كون فاعله موجودا إذا لم يكن حالّا في بعضه ، وإنّما يقتضي وجوده متى حلّ في بعضه ، لأنّ من حق المحل أن يكون موجودا ، وإنّما يحتاج الفعل إلى تقدّم كون فاعله قادرا. فإن كان مباشرا متولّدا يقارن السبب وجب أن يتقدّم كونه قادرا قبله بوقت ، وإن كان متولّدا يتأخّر عن السبب وجب تقدّم كونه قادرا قبل وجود سببه الأول بوقت ، ومتى لم يكن الفعل حالّا في بعضه فوجوده كعدمه في أنّه لا يحل بصحّة الفعل (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ١٦)
ـ أمّا المتولّد فعلى ضربين : أحدهما يوجد كل جزء منه بسبب غير سبب صاحبه كالكلام الذي يحلّ في اللسان ، فلا يصحّ أن يفعل من ذلك مع العجز إلّا حرفا واحدا لأنّ وجوده متعلّق بوجود المباشر. والثاني يتولّد عن السبب الأوّل حالا بعد حال نحو الإصابة ونفوذ السهم ، وهذا لا يمتنع وجوده بعد العجز والموت لأنّ وجود آخره لا يتعلّق بوجود المباشر. والكلام الموجود في الضدّ قد وجد سبب جملته ، فلا يمتنع وجود جميعه مع العجز والموت ، وإنّما لم يجز وجود الفعل مع المنع لأنّه يجري مجرى المضادّ له ، فلذلك فارق العجز والموت اللذين لا يضادّان الفعل الذي ذكرناه على وجه (ق ، غ ٩ ، ٦٦ ، ٤)
ـ لا يمتنع عندنا أن يستحق على الفعل المتولّد الذمّ أو المدح ، والعقاب أو الثواب ، لأنّه كالمباشر عندنا في هذا الوجه إذا فعله وهو عالم بحاله أو متمكّن من العلم بذلك وما له يقال باستحقاق ذلك على المباشر قائم في المتولّد ، فالتفرقة بينهما فيه لا تصحّ ، وإنّما قلنا في الساهي إنّه لا يستحقّ الذمّ على فعله أو المدح لأنّ تحرّزه من الفعل وهو ساه يتعذّر ، وليس كذلك المتولّد ، لأنّه قد كان يمكنه التحرّز منه بألّا يفعل سببه إذا كان عالما بأنّ