والاعتماد قد يحصل في محلّ القدرة مع أنه متولّد ، كما إذا رمى أحدنا حجرا إلى حائط صلب فتراجع بالصكّة ، فما يوجد من الاعتماد في كفّنا هو متولّد ، وإن كان في محلّ القدرة. وكذلك فلو رمى حجرا فدفعه إلى يده قادر آخر ، لكان متولّدا وهو في محلّ القدرة ، فبطل أنّ الفرق بين الأمرين ما قالوه. فإذا يجب أن يجعل الدلالة الفاصلة بين هذين الفعلين ، إنّ ما يجعل متولّدا هو الذي يقع بحسب فعل آخر ، حتى أنّه ربما تعذّر به إيجادنا له إلّا كذلك. وربما صحّ ولكنّه إذا وقع على هذا الحدّ وما تتعذّر الإشارة إلى شيء يقع هذا بحسبه نجعله واقعا ابتداء (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ٤)
ـ لا يمتنع فيما يوجد مولّدا من شروط نحتاج إليها. ثم الشرط تارة يرجع إلى الوجود وتارة إلى الإيجاب. فإذا تكلّمنا في أنّ النظر مولّد للعلم فالشرط في توليده له وإيجابه هو أن يعلم الناظر الدليل على الوجه الذي يدلّ ، والشرط في وجوده أن لا يكون عالما بالمدلول ، لأنّه لو علمه لتعذّر عليه النظر. فصار كل ما يصحّ وجود السبب من دونه فهو شرط في الإيجاب ، وصار كل ما لا يصحّ وجوده فهو شرط في الوجود (ق ، ت ١ ، ٤١٤ ، ٦)
ـ إذا كان كذلك نظرنا في حال الفعل فقلنا : ما كان مبتدأ فلا بدّ عند وجوده من تقدّم كونه قادرا عليه قبل الفعل بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده في الثاني. وما كان متولّدا ينظر فيه : فإن كان المسبّب متّصلا بالسبب فحكمه حكم المبتدأ في وجوب قدرته عليهما قبل الفعل بوقت واحد. وما كان من باب المسبّب الذي يوجد في الثاني من حال سببه فيجب تقدّم كونه قادرا عليه بوقتين وعلى السبب بوقت واحد ثمّ ينظر. فإن كان هذا المسبّب سببا في نفسه يولّد غيره حتى يتّصل بعض ذلك ببعض ما لم يكن هناك منع ، فقد يجوز تقدّم القدرة على هذه المسبّبات المتراخية بأوقات كثيرة ، على ما نقوله في رمي السهم والحجر وما أشبه ذلك. فلا يجب إجراء الأفعال كلّها مجرى واحدا في هذا الحكم (ق ، ت ٢ ، ١٣٢ ، ٧)
ـ اعلم أنّ الدلالة لا يجوز أن تختصّ فتدلّ في موضع دون موضع ، لأنّ ذلك يحيل كونها دلالة في كل موضع ، وقد بيّنا أنّ وقوع الفعل المباشر بحسب قصده وإرادته ، وانتفاءه بحسب كراهته على طريقة واحدة مع السلامة يدلّ على أنّ ذلك فعل له. وقد علمنا أنّ ذلك موجود في المتولّد الذي يفعل في غير محل قدرته كالكتابة والنساجة والبناء وغيرها من الأفعال ، فيجب أن يكون ذلك دالّا على أنّه فعله أيضا (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ٧)
ـ ليس لأحد أن يقول إنّ وقوع المباشر بحسب قصده إنّما دالّا على أنّه فعله من حيث وقع من جهته ابتداء ولم يتعلّق وجوده بغيره ، وهذا المعنى لا يصحّ في المتولّد ، فلم يجب أن يشاركه في الحكم ، وذلك لأنّ الذي له علمنا أنّ المباشر فعله هو وقوعه بحسب قصده على ما بيّناه دون حدوثه ابتداء ، لأنّ اللون الحالّ فينا والمرض والصحّة قد توجد ابتداء ، ولم يجب كونه فعلا له ، وإنّما فارق المباشر هذه الأمور من حيث وجب وقوعه بحسب قصده لا لأنّه وجد مبتدأ. فإذا كانت هذه الطريقة موجودة في المتولّد فيجب كونه فعلا له أيضا ، والمتولّد وإن فارق المباشر في كيفية وجوده فلا يجب كونه مفارقا له فيما به نعلم أنّه حادث من جهة القادر ، لأنّ طريق العلم بالشيء قد يتّفق