القدرة (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٣)
ما يدخله التضاد من مقدور العباد
ـ أنّا قد بيّنّا من قبل حصر الأجناس التي تدخل تحت مقدور العباد. وهذه الأجناس على ضربين ، أحدهما لا يدخله الاختلاف بل كلّه متماثل نحو التأليف والألم ، والثاني يختلف. ثمّ هذا المختلف على ضربين ، أحدهما يختلف فقط ولا يكون له حكم زائد على الاختلاف ، والثاني يدخله التضادّ مع الاختلاف. فالذي يقطع على اختلافه من مقدور العباد مما لا يدخله التضادّ هو الاعتماد ، فإنّه يشتمل على متماثل ومختلف ومختلفه لا يتضادّ. وكذلك الإرادة والكراهة لا يقع في كل واحد من نوعيهما تضادّ. وكذلك النظر من أفعال القلوب يلحق بما ذكرناه. فأمّا الأصوات فالصحيح أن لا يقطع على ثبوت التضادّ فيها ولا على نفي التضادّ فيها بل يتوقّف فلا تدخل في هذا الفصل ولا فيما بعده. فأمّا ما يدخله التضادّ من مقدور العباد فنوع الأكوان ، فإنّه يقع فيها المختلف ومختلفه يتضادّ. والاعتقادات يدخلها التضادّ وإن لم يكن كل مختلف منها متضادّا. وإنّما يثبت التضادّ هناك وفي الظّنون أيضا بطريقة النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ، ١٢)
ما يستحق لعلتين مختلفتين
ـ إنّما يقدر (الله) على ما يصحّ كونه مقدورا له ، ومقدور غيره لا يصحّ كونه مقدورا له. فتفارق المقدورات في هذا الوجه المعلومات ، لأنّه يصحّ كونها معلومة له. فوجب أن تكون معلومة له وليست العلّة في استحالة قدرته على أعيان المقدورات كونه مقدورة لغيره ، لأنّه قد تستحيل قدرته على ما ليس بمقدور لغيره إذا صحّ كونه مقدورا له ، كما يستحيل أن يقدر على ما هو مقدور لغيره. فلهذا لا يصحّ أن يكون جلّ وعزّ موصوفا فيما لم يزل بالقدرة على مقدور يصحّ كونه مقدورا لغيره ، وإن لم يكن في الحال مقدورا لغيره. وصار هذا حكما واحدا يعلّل تارة بصحّة كونه مقدورا لغيره وتارة بكونه مقدورا لغيره. ولا نكاد نوجد في الأحكام ما يستحقّ لعلّتين مختلفتين باختلاف الحالين إلّا ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٢٢)
ما يعلم صدقه استدلالا
ـ ما يعلم صدقه استدلالا فهو كالخبر بتوحيد الله تعالى وعدله ونبوّة نبيّه عليهالسلام وما يجري هذا المجرى ، وكالخبر عمّا يتعلّق بالديانات إذا أقرّ النبي صلّى الله عليه المخبر عليه ولم يزجره عنه ولا أنكر عليه ، فإنّا نعلم صدق ما هذا حاله من الأخبار استدلالا ، وطريقة الاستدلال عليه ، هو أنّه لو كان كذبا لأنكره النبيّ صلّى الله عليه ، فلما لم ينكره دلّ على صدقه فيه (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ١٤)
ما يفعله الله تعالى بسبب
ـ إنّ ما يفعله الله تعالى بسبب لا يصحّ ، وكان لا يصحّ وجوده إلّا عن سبب ، ولا يجوز وجوده ابتداء. واختلف قول أبي هاشم في ذلك : قال بما ذكرناه في الأبواب ، وهو الصحيح. وقال في الجامع : إنّ عين ما يفعله الله تعالى بسبب يصحّ أن يفعله ابتداء. ودلّ كلامه على أنّه يستوي بين أن يكون السبب قد وجد ، وبين أن لا يكون قد وجد ، لأنّه حين علّل بجواز ذلك قال : إنّ الذي يخرج المقدور من كونه مقدورا