وإلّا فإنّا نعلم أنّ الإرادة لو تقدّمت وكذلك كونه مريدا لم يكن لها تأثير. ولو حصلت ضرورة فيه لم تؤثّر على حدّ ما تؤثّر إذا كانت واقعة من جهته باختياره. ففارقت الإرادة العلم ، فإنّه لا فرق في العلم بين أن يكون من قبله أو من قبل غيره ، وليس كذلك الإرادة (ق ، ت ٢ ، ١٥٢ ، ١٤)
ما يحسن من الله خلقه ابتداء
ـ في ذكر أقل ما يحسن من الله تعالى خلقه في الابتداء مفردا من غيره. اعلم أنّ أوّل ما يحسن منه تعالى أن يخلقه ابتداء ، خلق حيّ وخلق الشهوة لمدرك موجود على وجه يدركه فيلتذّ به. ولا يجب أن يكون ذلك المدرك غيره ؛ لأنّه لا يمتنع أن يشتهي الحيّ إدراك بعضه ، أو إدراك ما يحلّ في بعضه من لون أو غيره. وقد بيّنا من قبل أنّ الشهوة يصحّ تعلّقها بالمدركات. فإذا كان الجوهر نفسه مدركا من جهة الرؤية واللمس لم يمتنع منه تعالى أن يخلق الحيّ ويجعل شهوته في إدراك بعضه ، فلا يجب على هذا القول أن يخلق فيه لونا ولا غيره ، بل يجوز أن يخلو ذلك الحيّ من جميع الأعراض سوى الألوان على ما دللنا عليه من قبل. فأمّا خلق الشهوة فلا بدّ منها ، لأنّ الانتفاع لا يصحّ إلّا معها على ما بيّناه في باب الصفات ، وما لا يصحّ وجود حياته إلّا معه من البنية وغيرها فلا بدّ من أن يخلقه تعالى من حيث يجب خلق الحياة التي معها يصحّ التنعّم ، ولولاها لم تحصل النعم أصلا ، ولو صحّ وجود الحياة مع عدم البنية لم يجب خلقها ؛ لأنّ الانتفاع كان يصحّ من الحيّ مع عدمها (ق ، غ ١١ ، ٧٢ ، ١١)
ما يحسن منه تعالى أن يخلقه أولا
ـ في ذكر صفة ما يحسن منه تعالى أن يخلقه أوّلا ، وما لا يحسن منه ، وما يصحّ ذلك فيه وما لا يصحّ. اعلم أنّه لا يصحّ منه تعالى أن يخلق أوّلا الواجب ، أو ما لا صفة له زائدة على حسنه كالعقاب ؛ لأنّ صحّتهما تقتضي تقدّم خلق غيرهما : من المكلّف والتكليف وغير ذلك ، فلا يجوز منه تعالى إذا أن يفعلهما أوّلا. ولسنا نعني بذلك أنّه لا يجوز مثل الثواب أو العقاب في الجنس أوّلا ، لأنّه قد يجوز أن يفعلهما مع أوّل من يخلقه من الأحياء ، وإنّما نعني أنّه لا يجوز أن يفعلهما على الوجه الذي يكونان عليه ثوابا وعقابا ، وأنّه لا يجوز أن يفعلهما أولا مفردين لتعلّقهما في صحّة الوجود بغيرهما. فأمّا بعد خلق الحيّ فقد يصحّ أن يفعلهما وإن قبح ذلك ، وإن كانت ألفاظ شيوخنا رحمهمالله ربما تختلف في ذلك ، فيقال في موضع ، إنّ الثواب لا يصحّ كونه ثوابا إلّا وهو مستحقّ ، وربما يقال : إنّه لا يحسن إلّا مع الاستحقاق ، والذي يصحّ وجوده من أفعاله تعالى أوّلا ليس إلّا العبث أو الظلم ، ويتعالى عن فعله ، نحو خلق الجماد أو الحي لكي يضرّه ، أو النفع والإحسان ، وهو خلقه للأحياء لينفعهم والجماد لينفعهم به. فهذا الوجه هو الذي يحسن منه تعالى أن يخلقه أولا ؛ فقد اجتمع فيه الصحّة والحسن ، وليس كذلك ما تقدّم من القبيح ؛ لأنّه وإن صحّ منه تعالى أن يحدثه أولا فإنّه لا يحسن ذلك (ق ، غ ١١ ، ٦٩ ، ٢)
ما يحصل بالفاعل
ـ إنّ ما يحصل بالفاعل يجوز أن يحصل عليه ، وأن لا يحصل ، بحسب اختياره وبحسب وجود