وجوده وتقضي وقته ، وهذا السبب لم يوجد ولا تقضّى وقته. ولمّا قال بهذا القول سأل نفسه عن صحّة هذا الحكم في أحدنا ، فمنع من ذلك وقال : لا يجوز فيما يفعله أحدنا متولّدا أن يفعله مبتدأ أصلا ، وجعل الفرق بين القديم جلّ وعزّ وبيننا أنّ أحدنا يقدر بقدرة ولا يصحّ أن يتعدّى حكمها في التعلّق بالجزء الواحد على الشروط المذكورة إلى أزيد منه. فلو أنّه إذا فعل السبب تعلّقت قدرته بذلك المسبّب أن يوجده ابتداء ، كما تتعلّق بإيجاد مثله مبتدأ ، لكانت قد تعدّت في تعلّقها الجزء الواحد. فإذا لم يصحّ ذلك ، وجب أن تزول قدرته عن هذا المسبّب في وقت وجوده. فإذا كان القديم تعالى قادرا لنفسه ، لم يمتنع فيه أن يوجد نفس ما هو متولّد مبتدأ ؛ فإنّ مقدوره لا ينحصر في الوقت الواحد على الشرائط المذكورة. وهذا مذهب خطأ ، لأنّ الشيء يخرج عن كونه مقدورا بغير ما ذكره من الوجهين. فإذا جعل وجود سببه وجها في خروجه عن كونه مقدورا ، بطل ما جوّزه (أ ، ت ، ٥٩٠ ، ٣)
ما يقتضي التكليف وجوبه
ـ الكلام في بيان جملة ما يقتضي التكليف وجوبه اعلم أنّ التكليف منه ـ تعالى ـ كما لا يحسن إلّا بعد شروط تختصّه وتختصّ المكلّف ، فكذلك يقتضي وجوب أمور عليه ـ تعالى ـ لو لا التكليف لما وجب ليصير بالتكليف ملتزما له. وذلك غير ممتنع ؛ لأنّه قد يجب الفعل لمكان فعل تقدّمه ؛ ألا ترى أنّ الواحد منّا قد يجب عليه إذا ألزم غيره الشاقّ العوض ، وإذا عقد مع غيره عقد معاوضة البدل (ق ، غ ١١ ، ٤٢٦ ، ١٧)
ما يقتضي قبح القبيح
ـ اعلم أنّ ما يقتضي قبح القبيح من كون القول كذبا ، والألم ظلما ، يجري في أنّه يجب أن يقتضي ذلك مجرى العلل الموجبة. فكما يستحيل حصول العلّة ، ولا يوجب موجبها ، كذلك يستحيل حصول وجه القبح ولا يوجب كون الفعل قبيحا. يبيّن ذلك أنّ تجويز حصوله من غير أن يوجب كون القبيح قبيحا ، يوجب إخراجه من أن يكون موجبا للقبح ، كما أنّ تجويز حصول الدلالة من غير حصول المدلول ، يوجب خروجها من كونها دلالة. وكذلك القول في سائر وجوه القبح. وقد قال شيخنا أبو هاشم رحمهالله : لو جوّزنا أن يقبح القبيح من العالم بقبحه ، ولا يستحقّ مع ذلك ذمّا ، لأدّى إلى أن لا يستحقّ عليه الذمّ على وجه من الوجوه ، لأنّ ما أوجب استحقاقه قد حصل ، والاستحقاق زائل. وكذلك القول فيما قدّمناه في وجوه القبح ، أنّ في جواز حصوله ، ولا يكون قبيحا ، إخراجه له من كونه وجها للقبيح. وإنّما يصحّ خلاف ما ذكرناه فيما يتعلّق باختيار مختار (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٢ ، ٥)
ما يقع عنده القبيح
ـ إنّ ما يقع عنده القبيح يختلف. فمنه ما يكون إلجاء إليه ، ومنه ما يقع باختيار الفاعل من غير إلجاء. وما هذا حاله ينقسم. فمنه ما يقع عنده على وجه يكون دخولا في ضرر لا يعقب نفعا. فما هذا حاله يقبح لا محالة. وذلك نحو أن يحمل أحدنا على غيره بسيف ليقتله ، فمتى اختار الوقوف فقتله أو أضرّ به فما اختاره يقبح ؛ لما قدّمناه ، ولأنّه يلزمه التحرّز من هذه المضرّة بالهرب ، فمتى وقف فقد ترك الواجب