به أصلا ، أن يكون وجها لعظم الفعل ، لم يمتنع مثل ذلك في علمه بقبح المعصية. وليس كذلك حال ما يتعلّق التكليف به ، لأنّ من شأنه أن يكون متّصلا بفعله وبحاله ، ولا يقوم فعل غيره في ذلك مقامه. فإذا تمكّن من أن يعلم القبيح ، فلم يعلمه ، وأقدم عليه ، استحقّ العقوبة ، لكن فقد علمه ببعض عقاب القبيح (ق ، غ ١٢ ، ٣١٣ ، ٢١)
ما يتولّد عن النظر
ـ إنّ العلم قد يكون علما وإن لم يكن المعلوم مدركا ، فأبطلنا قول من لم يصحّح العلم إلا بالمدرك ، وبيّنا أن قولهم يقارب قول السّوفسطائية ، ودللنا على أن ما يتولّد عن النظر علم في الحقيقة ، وأن العلم بالله سبحانه وبسائر ما يلزم المكلّف علم صحيح (ق ، غ ١٤ ، ١٢٩ ، ١٩)
ما يجب تقدّمه على التكليف
ـ قد قسم ما يجب تقدّمه على التكليف من قبيل الله تعالى إلى قسمين : أحدهما ما يكمل به العقل والثاني ما هو أصول الأدلّة. والكلام في العلوم التي يعبّر عنها بالعقل مذكورا في غير موضع. وأمّا أصول الأدلّة فهي أيضا علوم ضروريّة وفي الغالب لا ينفكّ كمال العقل عنه. فإنّ أصل الدلالة على أنّ العبد محدث هو تعلّق فعله به ووجوب وقوعه بحسب قصده وداعيه وذلك من جملة كمال العقل. وكذلك فأصل الدلالة على إثبات الأكوان حصول الجسم مجتمعا مع جواز أن يبقى مفترقا ، وذلك لم يعرف ضرورة ولكن إنّما فصل بين ذلك وبين ما هو من كمال العقل والله أعلم (ق ، ت ١ ، ٦ ، ٢٢)
ما يجب عن السبب
ـ إنّ ما يجب عن السبب هو مقدور للقادر عندنا وإن كان يفعله بواسطة ، فكما لا تمتنع الشروط في القادر حتى يصحّ أن يفعل على وجه دون وجه ، فكذلك لا يمتنع مثله في السبب ، ولذلك قلنا إنّ السبب في الحقيقة لا يوجب المسبّب ، وإنّما يجب وجوده عند وجوده من جهة القادر ، وليس كذلك الطبع لو كان معقولا ، لأنّ إيجابه لما يوجبه لا يرجع إلى اختيار مختار على وجه ، فلذلك يجب فيه ما يلزمهم من أن يوجب الفعل على كل حال وأن لا يتعلّق بشرط (ق ، غ ٩ ، ٤٩ ، ١٧)
ما يحتاج القادر منا
ـ إنّ أحدنا قد يحتاج في كثير من أفعاله إذا أوقعه على وجه مخصوص إلى آلات ، كما قد يحتاج إلى القدر وإلى العلم. لكن بين حاجته إلى العلم وبين حاجته إلى القدرة والآلة فصل. فإنّه لا بدّ في العلم من أن يتقدّم ويقارن وليس كذلك القدرة. وأمّا الآلات فهي مختلفة على ما قدّمناه. وقد بيّن أنّ الحاجة إلى العلم تكون من وجهين ، أحدهما لترتيب الأفعال وإيقاعها محكمة ، والثاني لما يرجع إلى استحقاق المدح والثواب ، فإنّه ما لم يكن عالما بما يفعله ويعلم أنّه واجب أو مندوب إليه لم يستحقّ على ذلك مدحا. وقد تقدّم ذلك في أوّل الكتاب. ومن جملة ما يحتاج القادر منّا إليه في وقوع فعله على وجه مخصوص هو الإرادة أو كون المريد مريدا. وإن كان قد حقّق ذلك في الكتاب فقال : إنّما يحتاج إلى أن يتمكّن من الإرادة التي توجب كونه مريدا فتؤثّر هذه الصفة في حكم من أحكام كلامه أو غير ذلك من أفعاله.