كان طريق العلم في السمعيّ يخالف طريق ذلك في العقليّ ويتحرّز من المضارّ ببعضه بوسائط ، وبعضه يتحرّز بنفسه من المضارّ ، وببعضه يتوقّى من مضرّة هي في حكم الحاضرة ، وببعضه من مضرّة آجلة ، وكلّ ذلك لا يخرجه عن هذا القسم الواحد ، أو يجب لأنّه إرادة الفعل الذي وصفناه أو علم به أو تمكّن منه ؛ لأنّ ما أدّى إلى الواجب حتى لا يصحّ أداؤه إلّا معه واجب لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٥٣٠ ، ٩)
ما له يصير الاعتقاد علما
ـ ما له يصير (الاعتقاد) علما ، إمّا علّة ، أو وقوعه على بعض الوجوه. وقد علمنا أنّ العلل لا تصحّ على الأعراض ، لفقد اختصاصها بها على وجه يكون علّة دون غيره. فيجب أن يكون علما ، لوقوعه على بعض الوجوه. ولا يجوز أن يكون ذلك الوجه غير معقول ، لما فيه من ارتكاب الجهالات. ووجدنا المعقول من ذلك ، ليس إلّا ما نعلم أنّه إذا وقع عليه سكنت النفس إلى المعلوم عنده. كما أنّ وجوه القبح هي ، ما إذا وقع القبيح عليه ، اقتضى في فاعله استحقاق الذمّ. والذي يختصّ بهذا الحكم ، هو وقوعه عن نظر ، وعند تذكّر النظر ، ومن فعل العالم بالمعتقد ، وأن يعلم أنّ الشيء لا يختصّ بصفة إلّا ويختصّ بأخرى ، فمتى علم ما اختصّ بالأولى فعل العلم باختصاصه بالأخرى. فيكون وقوعه ، والحال هذه ، يقتضي كونه علما ، نحو علمه بأنّ الظلم لا يكون إلّا قبيحا ، والمحدث لا يكون إلّا من محدث. فإذا علم ظلما مفصّلا ومحدثا معيبا ، فعل اعتقاد قبحه وحاجته إلى محدث ، لأجل تقدّم العلم للأول. وبيّنا أنّه قد يكون علما ، بأن يذكر العلم المتقدّم بالشيء ، فيفعل العلم في الحال. وقد يكون علما ، بأن يصير المعتقد به عالما ، وإن لم يكن في حال فعله عالما. وكل ذلك مما بيّناه ، من قبل ، وأبطلنا سائر الوجوه التي قال فيها بعضهم : إن الاعتقاد يكون علما لأجله. نحو قولهم : إنه يكون علما ، لكونه مدركا لما علمه ، أو لمشاهدته الأدلّة ، أو لعلمه بها ، أو لأنّ الطبع اقتضى ذلك فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤ ، ٧)
ما له يقبح القبيح
ـ لا يجوز أن يكون الموجب لقبحه أحوال الفاعل منّا ، نحو كون الواحد منّا محدثا مربوبا مملوكا مقهورا مغلوبا. ولا يجوز أن يكون ما له يقبح القبيح منّا النهي ، ولا أنّا نتجاوز به ما حدّ به ورسم لنا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١١)
ما لوجوده أول
ـ إنّ كل ما لوجوده أوّل ، فهو بالفاعل وإن وجب وجوده ، كالمسببات التي يجب وجودها عند وجود أسبابها (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٧)
ما ليس بعلم
ـ اعلم ، أنّه إذا ثبت أنّه قد يوجد من جنس العلم ما ليس بعلم ، وهو الاعتقاد الذي معتقده على ما هو به ؛ وعلمنا أنّ العلم يبيّن منه ، بأنّه يقتضي سكون النفس ؛ فلا بدّ من أمر لأجله يختصّ بذلك. وإذا لم يجز أن يختصّ بذلك ، لا لوجه ، لأنّه كان لا يكون بأن يختصّ هو بهذا الحكم أولى من أمثاله ، فيجب أن يكون لأمر ما ، ولا يجوز لوجوده وحدوثه ، لأنّ ذلك حاصل للاعتقاد الذي ليس بعلم ، ولا يجوز أن