ما لولاه لم يكن يختاره ، فلا يصحّ إلّا في المنتظر من الأفعال دون الواقع. فلا يصحّ أن يقال : إنّ إدامة تكليفه لطف فيما تقدّم ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه لطف في نفس التوبة ؛ لأنّ الكلام في هل يجب أن يكلّفه التوبة أم لا. فلا يصحّ أن يجعل العلّة في ذلك أنّها لطف ؛ لأنّ كونها لطفا في نفسها لا يصحّ (ق ، غ ١١ ، ٢٥٨ ، ٨)
ـ إن سائر وجوه التمكين لا يصحّ كونها لطفا ؛ لأنّ به يتمكّن من الفعل ، وقد بيّنا أنّ اللطف بمنزلة الداعي في أنّه يجب كونه متمكّنا من الفعل وضدّه سابقا ، ليصحّ أن يلطف له ، كما يصحّ أن يقوي دواعيه إلى إيثار الفعل أو خلافه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٩ ، ١)
ـ إنّ اللطف في التخلّص من العقاب هو اللطف في الفعل الذي به يتخلّص من العقاب ؛ لأنّ زوال العقاب واستحقاقه ليس بفعل للمكلّف ، فما يقال : إنّه لطف في زواله يجب كونه لطفا في الفعل الذي به يزال وهو التوبة. وقد بيّنا أنّ الكلام في هل يجب أن يكلّف التوبة أم لا ، فلا يصحّ أن يجعل العلّة في وجوب تكليفه إيّاها أنّها لطف وأنّ غيرها لطف فيها ، ولما كلّف المكلّف أصلا (ق ، غ ١١ ، ٢٥٩ ، ٦)
ـ إنّ هذه المعارف إنّما تجب من حيث كانت ألطافا ، واللطف منها هو العلم بأنّه يستحقّ على فعل الطاعة ثوابا وعلى فعل القبيح عقابا ، لأنّ هذا العلم هو الذي عنده يكون أقرب إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح رجاء النفع ومخافة المضرّة. لأنّه قد تقرّر في العقول أنّ ما يستحقّ به النفع يكون أقرب إلى فعله. وما يخاف في فعله المضرّة يكون أبعد من فعله ، والذي يختصّ من المعارف بكونه لطفا هو هذان العلمان دون غيرهما (ق ، غ ١٢ ، ٤١٥ ، ٨)
ـ إنّ العلوم التي بها يكمل العقل ومعها يصحّ النظر ، هي بمنزلة القدرة والتمكين ، لأنّه لولاها لما صحّ من المكلّف هذا الفعل على الوجه الذي يجب عليه ، وما حلّ محل التمكين لا يكون لطفا. وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله ، فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٤١٨ ، ١)
ـ إن قيل : فيجب في كل ما يفعلونه (العباد) من العلوم أن يكون لطفا. قيل له : إن كان مما لا يتمّ معرفة العقاب والثواب ، وما عنده تصحّ معرفتهما إلّا معه ، فكذلك نقول فيه : فإن استغنى عنه في ذلك على كل وجه ، فهو بمنزلة العلم بالصناعات إلى غير ذلك ، في أنّه لا مدخل له في هذا الباب. ولهذا لا يعدّ العلم بالحساب واللغة لطفا ، وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين. فأمّا ما به تقوى المعارف التي ذكرناها أو تنحلّ عنده الشبه الداخلة في باب التوحيد والعدل ، فلا يمتنع أن يكون لطفا. لأنّ من حقّه أن يثبت العلوم التي ذكرناها معه ، ولولاه كانت تزول ولا تثبت. فلهذا يجب على العاقل النظر في حال الشبه ، كما يجب عليه النظر في الأدلّة ، لأنّ موقع هذا العلم كموقع ذلك العلم في الحاجة إليه ، من