يكون اللطف في فعل الشيء ما إذا وجد (وجد) ما هو لطف في فعله ووجوده ، ولا يختصّ شيء من المعاني بهذا الحكم إلّا القدرة فقط لأنّها هي التي بوجودها يوجد مقدورها لا محالة ، ولا يصحّ أن يقارنها منع أو عجز عن وجود مقدورها (أ ، م ، ١٢٤ ، ١٨)
ـ الدليل على أنّ معرفة الله تعالى واجبة هو أنّها لطف في أداء الواجبات واجتناب المقبّحات ، وما كان لطفا كان واجبا لأنّه جار مجرى دفع الضرر عن النفس. وإنّما قلنا إنّها لطف ، لأنّ اللطف ليس بأكثر من أن يكون المرء عنده أقرب إلى أداء الواجبات وترك المقبّحات ، على وجه لولاه لما كان بهذه المثابة ؛ ومعرفة الله تعالى بهذه الصفة. ألا ترى أنّ الإنسان إذا عرف أن له صانعا صنعه ومدبّرا دبّره إن أطاعه أثابه وإن عصاه عاقبه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات ، وترك المقبّحات. وإن كنّا إذا حققنا قلنا : فاللطف هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب لأنّه الذي يثبت له حظ الدعاء والصرف ، إلّا أنّ ذلك لمّا ترتّب على العلم بالله ، عدّ العلم بالله تعالى في اللطف لمّا لم يتم اللطف إلّا به (ق ، ش ، ٦٤ ، ٨)
ـ إنّ اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنّب القبيح ، أو ما يكون عنده أقرب إمّا إلى اختيار أو إلى ترك القبيح. والأسامي تختلف عليه فربّما يسمّى توفيقا ، وربما يسمّى عصمة ، إلى غير ذلك (ق ، ش ، ٥١٩ ، ١)
ـ ذهبوا (بشر بن المعتمر وأصحابه) إلى أنّ اللطف لا يجب على الله تعالى ، وجعلوا العلّة في ذلك ، أنّ اللطف لو وجب على الله تعالى لكان لا يوجد في العالم عاص ، لأنّه ما من مكلّف إلّا وفي مقدور الله تعالى من الألطاف ما لو فعل به لاختار الواجب وتجنّب القبيح ، فلما وجدنا في المكلّفين من عصى الله تعالى ومن أطاعه ، تبيّنا أنّ ذلك اللطف لا يجب على الله تعالى (ق ، ش ، ٥٢٠ ، ٧)
ـ إنّ اللطف إمّا أن يكون متقدّما للتكليف ، أو مقارنا له ، أو متأخّرا عنه ، فإن كان متقدّما فلا شكّ في أنّه لا يجب ، لأنّه إذا كان لا يجب إلّا لتضمّنه إزاحة علّة المكلّف ، ولا تكليف هناك حتى يجب هذا اللطف لمكانه. وأيضا فإنّه إذا جرى مجرى التمكين ، ومعلوم أنّ التمكين قبل التكليف لا يجب ، فكذلك اللطف. وإذا كان مقارنا له فلا شبهة أيضا في أنّه لا يجب ، لأنّ أصل التكليف إذا كان لا يجب ، بل القديم تعالى متفضّل به مبتدأ ، فلأن لا يجب ما هو تابع له أولى ، فصحّ أنّ مراد المشايخ بذلك الإطلاق ما ذكرناه. ثم لا يفترق الحال بين ما إذا كان لطفا في الواجبات ، وبين ما إذا كان لطفا في النوافل ، فإنّه تعالى كما كلّفنا الواجبات فقد كلّفنا النوافل أيضا ، فكان يجب عليه اللطف سواء كان لطفا في فريضة أو في نافلة ، خلاف الواحد منّا ؛ إذا ثبت هذا ، فالذي يدلّ على صحّة ما اخترناه من المذهب ، هو أنّه تعالى إذا كلّف المكلّف وكان غرضه بذلك تعريضه إلى درجة الثواب ، وعلم أنّ في مقدوره ما لو فعل به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح فلا بدّ من أن يفعل به ذلك الفعل ، وإلّا عاد بالنقض على غرضه ، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا أراد من بعض أصدقائه أن يجيبه إلى طعام قد اتّخذه ، وعلم من حاله أنّه لا يجيبه إلى طعام قد اتّخذه ، وعلم من حاله أنّه لا يجيبه إلى طعامه إلّا إذا بعث إليه بعض أعزّته من ولد أو غيره ، فإنّه يجب عليه أن