كوامن في الطبع
ـ النفس في طبعها حبّ الراحة والدعة والازدياد والعلوّ والعزّ والغلبة والاستطراف والتنوّق وجميع ما تستلذّ الحواسّ من المناظر الحسنة والروائح العبقة والطعوم الطيّبة والأصوات المونقة والملامس اللذيذة ومما كراهته في طباعها أضداد ما وصفت لك وخلافه. فهذه الخلال التي يجمعها خلّتان غرائز في الفطر وكوامن في الطبع ، جبلّة ثابتة وشيمة مخلوقة. على أنّها في بعض أكثر منها في بعض ، ولا يعلم قدر القلّة فيه والكثرة إلّا الذي دبّرهم. فلما كانت هذه طبائعهم أنشأ لهم من الأرض أرزاقهم وجعل في ذلك ملاذّ لجميع حواسّهم ، فتعلّقت به قلوبهم وتطلّعت إليه أنفسهم. فلو تركهم وأصل الطبيعة ـ مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة في طبائعهم ـ صاروا إلى طاعة الهوى وذهب التعاطف والتبارّ (ج ، ر ، ١٢ ، ٤)
كون
ـ كان ينكر (أبو علي الجبّائي) قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول : هذه عبارة فاسدة لأنّ كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل : الأشياء أشياء قبل كونها فكأنّه قال : أشياء قبل أنفسها (ش ، ق ، ١٦٢ ، ٦)
ـ إن قال قائل أليس قد قال الله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧) ولا إرادة للجدار في الحقيقة ، وإنّما قال يريد توسّعا والمعنى أنّه ينقضّ. قيل له نعم ، فإن قال فما أنكرتم أن يكون معنى" أن نقول له كن" أي نكوّنه فيكون ، قيل له الفرق بين ذلك أنّ الجماد يستحيل مع جماديته أن يكون مريدا والباري تعالى في الحقيقة لا يستحيل عليه أن يريد أو يقول ، فلذلك لم يكن قوله (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) بمعنى نكوّنه (ش ، ل ، ١٦ ، ١١)
ـ إنّ الكون معنى له يكون الكائن كائنا وبه يكون في المكان إذا كان مكان ، وإنّ الجوهر لا يجوز أن يخلو من الكون كما لا يجوز أن يخلو من اللون ، وإنّ الجوهر المنفرد فيه كون وهو المعنى الذي لو كان مكان كان به الكائن كائنا في المكان (أ ، م ، ٢٤٣ ، ١٠)
ـ إنّ الكون إذا وقع على وجه مخصوص فهو حركة وإذا وقع على وجه آخر كان سكونا (أ ، م ، ٢٤٣ ، ١٣)
ـ قولنا : كون وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه كونا مطلقا إذا وجد ابتداء لا بعد غيره ، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن نسمّيه سكونا إذا بقي. وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى به الجوهر في جهة واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو أوجب كون الجسم كائنا في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه محاورة مقارنة وقربا إذا كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما. وتارة نسمّي بعضه مفارقة ومباعدة وافتراقا إذا وجد على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت ١ ، ٣٣ ، ٥)
ـ إنّ الكون من الحركات وغيرها موجود من جهته جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١٠٨ ، ٢٣)
ـ قد ثبت بالدليل أنّ الكون يجوز عليه البقاء ولا ينتفي عن المحلّ مع وجوده إلّا بضدّ! لأنّه لا