الله ، وفي هذا ما فيه. فلمّا استحال ذلك صحّ أنّ قول الله للأشياء كوني غيرها ، وإذا كان غير المخلوقات فقد خرج كلام الله عزوجل عن أن يكون مخلوقا (ش ، ب ، ٥٣ ، ١٢)
ـ كان (الأشعري) يخطّئ قول من قال من أصحابنا إنّ قوله للشيء" كن" خلق له أو فعل له. وكان يقول إنّ خلق الشيء هو الشيء المخلوق وفعله هو الشيء المفعول ، وإنّ القول غيره (أ ، م ، ٦٦ ، ١٧)
ـ اعلم أنّ من مذهب شيخنا أبي الهذيل أنّه تعالى إذا أراد الإحداث ، فإنّه إنّما يحدثه بقوله كن ، وهذه طريقته في الإعادة والإفناء ، لكنّه ليس يلزمه ما يقوله هؤلاء المجبرة بأنّه كان يجب أن لا يمكنه إحداث كن إلّا بكنت آخر ثم كذلك فلا ينقطع ، لأنّ غرضه بذلك أنّه تعالى إذا أراد فعلا من الأفعال فإنّما يفعله بأن يقول له هذا القول لا أنّه لا يقدر على إحداثه إلّا بهذه الطريقة ؛ وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا قال : عطيتي لمن زارني درهم ، فكما أنّه لا يقتضي ذلك أن يعطي كل من زاره ، وإنّما يقتضي أنّه إن أعطى فإنّما يعطي هذا القدر ، كذلك في مسألتنا (ق ، ش ، ٥٦٢ ، ٤)
ـ وبعد ، فإنّ الظاهر يدلّ على أنّ (كن) التي هي الكاف والنون ، والكاف فيها متقدّمة للنون ، فالنون فيها حادثة بعد الكاف ، هو الذي تكوّن به الأشياء ، فيجب أن يكون ما هذا صورته قديما. وهذا يوجب كونه قديما محدثا ؛ لأنّ توالي حدوث هذين الحرفين ـ على ما بيّناه ـ يوجب حدوثهما ، وما ذكره يوجب قدمهما ، وهذا محال. ويوجب الاستحالة من وجه آخر : وهو أنّ النون إنّما تتّصل بالكاف على وجه يكون النطق به قولنا" كن" بأن يحدث بعده ، لأنّهما لو حدثا معا ، لم يكن بأن يقول : " كن" أولى من أن يقول : نك ، وهذا يوجب كون النون حادثة ، فإن حدثت الكاف وحدها فقد تركوا الظاهر ، وإن حدث بكن آخر ، فالقول فيه وفي نونه كالقول في هذا ، وذلك يلزمهم ما لا نهاية له. وإن قالوا : هي حادثة لا بشيء ، فقد تركوا الظاهر. وكل هذا يبيّن جهل القوم في تعلّقهم بذلك وأمثاله. وإنّما أراد تعالى بهذا الكلام أن يبيّن أنّه في باب الاقتدار واستحالة المنع عليه ، بخلاف سائر القادرين الذين يحتاجون إلى زمان في الأفعال ويصحّ عليهم المنع ، فقال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة : ١١٧) يعني : مخترعهما لا على مثال سبق ، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن ، فيكون ، يعني : أنّه يكون من دون تراخ ومعاناة ومشقّة ، وأنّه في حدوثه بأيسر مدّة بمنزلة قول القائل : (كن) ، ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ منه أن يفعل ما يقدر عليه إلّا ب (كن) ؛ لأنّه لا يجوز أن يحتاج هو في أفعاله إلى أمر يستغني عنه (ق ، م ١ ، ١٠٧ ، ٦)
ـ زعم ابن كرّام وأتباعه أنّ معبودهم محلّ للحوادث. وزعموا أنّ أقواله ، وإرادته ، وإدراكاته للمرئيات ، وإدراكاته للمسموعات ، وملاقاته للصفحة العليا من العالم ، أعراض حادثة فيه ، وهو محل لتلك الحوادث الحادثة فيه. وسمّوا قوله للشيء : " كن" خلقا للمخلوق ، وإحداثا للمحدث ، وإعلاما للذي يعدم بعد وجوده ، ومنعوا من وصف الأعراض الحادثة فيه بأنّها مخلوقة أو مفعولة أو محدثة (ب ، ف ، ٢١٧ ، ١٢)
ـ زعم أبو الهذيل إنّ قوله للشيء كن عرض حادث لا في محلّ ، وسائر قوله حادث في