الْأَجَلَ) (القصص : ٢٩) الآية ، وقال أبو ذؤيب : وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع التوابع تبع. وقد يذكر ويراد به الإيجاب. قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء : ٢٣) وقد يذكر ويراد به الإعلام والإخبار كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (الإسراء : ٤) واستعماله في هذه الوجوه لا يمنع من أن يكون حقيقة في بعضها متعارفا بها في الباقي ، كالإثبات فإنّه حقيقة في الإيجاب ثم قد يذكر بمعنى الخبر عن وجود الشيء ، وقد يذكر بمعنى العلم (ق ، ش ، ٧٧٠ ، ٩)
ـ إنّ ظاهر قوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً) (البقرة : ١١٧) لا يدلّ على الخلق ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بالشيء قد يتصرّف على وجوه ، فمن أين التعلّق بالظاهر؟. وبعد ، فإنّ حقيقة" الأمر" هو قول القائل لغيره : افعل ، وإنّما يستعمل في سائر الأفعال توسّعا ، فإن تعلّقوا بالظاهر فإنّه يدلّ على أنّه محدث القول الذي هو الأمر ، بأن يقول له : كن ، ولا يدلّ على ما عداه من الحوادث. وبعد ، فإنّ الظاهر يدلّ على أنّه يقول له : كن ، وقد قضاه ، فلا يدلّ على أنّه يصير خالقا بقوله : (كن) وذلك يمنع من تعلّقهم به ، بل يوجب تناقض الكلام ؛ لأنّ أوّله يدلّ على أنّه قد تقدّم قضاؤه له ، وآخره يدلّ على أنّه لا يكون إلّا بعد أمر آخر (ق ، م ١ ، ١٠٦ ، ١٢)
ـ قد قال بعض شيوخنا رحمهمالله : إنّ" القضاء" في حقيقة اللغة : هو الفراغ من الشيء وبلوغ آخره ونهايته ، وإذا استعمل ذلك في الخبر فمن حيث يدلّ من حال الفعل على ما ذكرناه ، ولهذا يقال فيما يتمّ ويلزم عند حكم الحاكم : إنّه قضاء ، ويقال في سائر ما خلقه تعالى : " إنّه يقضي به ، من حيث خلقه على تمامه ، فيما تقتضيه المصلحة ، وهذا هو المراد بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) (النمل : ٧٨). ولهذا لا يوصف الخبر بأنّه قضى به إلّا إذا اقتضى في المخبر هذه الفائدة ، فيقال في خبر الحاكم إذا كان ملزما للحق : هو قضاء منه ، ولا يقال في خبر غيره ذلك. فعلى هذا يجب أن لا يقال : إنّه تعالى قضى أعمال العباد في الحقيقة ؛ لأنّه لم يخلقها على تمام ، ويقال في أخباره على أحوالها ذلك ، على جهة التعارف ، لما حقّق ذلك فيها ، ويقال في إلزامه المكلّف الواجبات ذلك ، لما صار في الحكم بهذه الصفة ؛ لأنّ الإلزام آكد من الإخبار ، ولذلك لم يطلق شيوخنا رحمهمالله على أفعال العباد إنّها بقضاء الله ، دون التقييد ، لئلّا يوهم الفساد ، وما لا يجوز القول به في الدين (ق ، م ٢ ، ٤٣١ ، ١٦)
ـ قال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (الإسراء : ٤). والجواب عن ذلك : أنّا قد بيّنا أنّ القضاء قد يطلق على الإعلام والإخبار ، وهو المراد بهذه الآية. يبيّن ذلك أنّه ذكر الفساد على وجه الاستقبال ، والقضاء على وجه الماضي ، ولو كان المراد له الخلق لما صحّ ذلك ، ولأنّ لفظ" القضاء" إذا عدّي ب" إلى" فظاهره الخبر ، ومتى أريد به الفعل عدّي بغير ذلك ، أو لم يعدّ بحرف. فإذا صحّ ذلك دلّ الظاهر على أنّه تعالى خبر بفسادهم الذي يكون ، ودلّ على ذلك لضرب من المصلحة ، وهذا مما لا ننكره ، وإنّما ندفع القول بأنّه تعالى يقضي الفساد ؛ بمعنى الخلق والإيجاد ،