والتقدير والتدبير ، لما في ذلك من ارتفاع الحمد والذمّ وبطلان التكليف ، ولما فيه من وجوب الرضا بالفساد ، أو القول بأنّ في قضائه ما لا يجب الرضا به (ق ، م ٢ ، ٤٥٦ ، ٧)
ـ قالوا : ثم ذكر بعده ما يدلّ على أنّه يقضي أفعال الخلق ، فقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء : ٢٣) فإذا صحّ أنّه يقضي الطاعات من فعلهم ، فكذلك المعاصي. والجواب عن ذلك : أنّ المراد بالقضاء قد يختلف إذا أطلق ، وإنّما يعرف المراد بضرب من التقييد أو الدلالة. وقد بيّنا ذلك من قبل. فالمراد بهذه الآية : أنّه ألزمهم ذلك وأمرهم به ، ولذلك خصّ الواجب بالذكر دون غيره ، والكلام في أنّه يقال فيمن ألزم غيره الشيء : إنّه قضاه ، وقضى به عليه ، مشهور ، وقد تقدّم ذكره (ق ، م ٢ ، ٤٦٤ ، ١٠)
ـ القضاء مستعمل على وجوه أحدها الفعل وإتمامه. والفراغ منه وعلى هذا قال تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وقد يكون بمعنى الإلزام كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣). ويستعمل بمعنى الإخبار والإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) (ق ، ت ١ ، ٤٤٠ ، ٤)
ـ قالوا (المجبرة) وقد قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، فبيّن أنّه قضى العبادة ، فيجب أن يكون قد خلقها ، لأنّ القضاء هو بمعنى الخلق ، كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) (فصلت : ١٢) يعني خلقهنّ (ق ، غ ٨ ، ٣١٤ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ القضاء ينصرف على وجوه بمعنى الخلق وبمعنى الإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦) ، (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤) ، وبمعنى الإلزام كقوله : وقضى ربّك ألا تعبدوا إلّا إيّاه ، فالمراد بهذه الآية هو الأمر والإلزام دون الخلق ، كما يقول القاضي قضيت على فلان بكذا بمعنى ألزمته : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) (النمل : ٧٨) ، هذا هو المراد به ، ولو كان المراد به الخلق لكان كلهم عابدين ، لأنّه قد خلق فيهم العبادة ، ولارتفع الأمر بها والنهي عن خلافها ، ولما صحّ أن نقول (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، كما لا يجوز أن يقال وقضى ربّك أن تسودّوا وتبيّضوا ، ولذلك قرنه بالإحسان إلى الوالدين ، ولو كان تعالى خلق فيهم العبادة لما جاز أن يقضي على بعض أنّه لا يعبد ، وعلى بعض أنّه يعبد ، وإلّا كان ظالما من حيث خلق في بعضهم ضدّ العبادة ليدخلهم النار ، ولوجب إطلاق القول بأنّ قضاء الله باطل وجور وفساد من حيث كان يخلق ذلك ، فلن يقبح الرضا بكل ما قضى وأن يجوز أن ننكر قضاءه ونسخط ونكره ، وأن نردّ على الله تعالى بعض قضائه ، أو أن يجب الرضا بالكفر وأن يلزم قبوله ، وأن جعلوا القضاء غير المقضي فكان عندهم موجبا له ، فقد عاد الحال إلى ما تقدّم ، وإن جاز أن يقضي ما لا يوجد فمن أين أنّ المقضي من خلفه وتقديره ، وهذا جاز على هذا الوجه أن يكون القضاء هو الجبر على ما ذكرناه (ق ، غ ٨ ، ٣١٤ ، ١٤)
ـ متى قال بدلا من ألزمت : قد حكمت عليك ، وقضيت إلى ما شاكل ذلك دلّ على الوجوب ، كدلالة قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ، وإنّما يعدل عن ذلك لضرب من الدلالة ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بفعل المكلّف