إرادة لواجب الوجود
ـ صفة الإرادة لواجب الوجود ، وإن لم تكن مجانسة لصفة الإرادة شاهدا ، فلا محالة أنّ نسبتها إلى ذات واجب الوجود كنسبة الإرادة شاهدا إلى النفس الناطقة الإنسانيّة ، من التعلّق والمتعلّقات ، وكل عاقل يقضي ببديهته أنّ الإرادة شاهدا ـ بالنسبة إلى محلها ـ كمال له ، وأنّ عدمها بالنسبة له نقصان ، ويوجب أنّ ما كانت نسبته إلى واجب الوجود ، كنسبة الإرادة إلى محلها شاهدا ، أن يكون كمالا لذات واجب الوجود ، وأنّ عدمه يكون نقصانا. فلو لم نقل بثبوت لذات واجب الوجود ، لوجب أن يكون واجب الوجود ناقصا في رتبته بالنسبة إلى رتبة المخلوق ، من جهة أنّ كمال المخلوق حاصل له ، وكمال الخالق غير حاصل له (م ، غ ، ٥٦ ، ٢)
إرادة محدثة
ـ إنّ الإرادة المحدثة عرض غير باق لا يصحّ قيامها بنفسها وتقتضي حيّا تقوم به (أ ، م ، ٦٩ ، ١٥)
ـ قد استدلّ شيخنا أبو علي رحمهالله على أنّ الإرادة محدثة لقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) لأنّه لا يصحّ أن يقال : لو شاء أن يؤمن الكفّار لآمنوا ، وذلك مستحيل فيه. وإنّما يقال ذلك إذا صحّ أن يشاء ذلك منهم ، وهذا يوجب كون الإرادة محدثة ، مقدورة له ، يصحّ أن يفعلها ويصحّ أن لا يفعلها. ولو لا أنّ الأمر كذلك ، لم يكن قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ) (يونس :
٩٩) مدحا له ، بل كان إلى الذمّ أقرب. ألا ترى أنّ قائلا لو قال إنّ زيدا لو وصل إلى ملك الروم لقتله ، لكنّه لا يقدر على الوصول إليه ، ولا يمكنه ذلك ، لكان قد ذمّه بذلك ، وحكم بعجزه. فكذلك من قال إنّه سبحانه لا يصحّ أن يشاء من الكافر أن يؤمن ، فقد وصفه بالضعف. ويجب أن يجري ذلك منهم مجرى قولنا للمؤمن : لو كان صحيح الرجلين لمشى ، وهو لا يمكنه تصحيح رجليه ، والمشي يعدّه في أنّ ذلك ذمّ ونقص. ولا يمكنه أن يقول أنّ هذه الآية ليست بمدح ، لأنّ في ذلك خروجا من الإجماع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٤٣ ، ١)
إرادة المريد
ـ اعلم أنّ صحّة إرادة المريد للشيء تقف على أمرين. أحدهما راجع إلى نفس المراد وهو صحّة حدوثه في نفسه. والثاني يرجع إلى نفس المريد وهو أن لا يكون في حكم السّاهي عن المراد ، ويكون كذلك بالعلم والظنّ والاعتقاد ، ومهما كان مريدا عند الشكّ فلا بدّ عند الشكّ من اعتقاد معه (ق ، ت ١ ، ٣٠٣ ، ٢)
إرادة مشترطة
ـ إنّ الآمر متى حصل له العلم بالمستقبل لم يحسن منه الأمر إلّا مع العلم بأن المأمور ممكن في حال الفعل ؛ لا لأنّ العلم بذلك شرط ، لكنّه إذا حصل لم يحسن الأمر إلّا على هذا الحدّ. ولو كان العلم بذلك شرطا في بعض الآمرين لوجب كونه شرطا في سائرهم ؛ لأنّ وجه الحسن ووجه القبح لا يجوز أن يختلف باختلاف أحوال الفاعلين. فلهذا حسن من الآمر منّا أمر الغير وإن لم يعلم أنه في حال الفعل يتمكّن من الفعل لا محالة ، وقام ظنّه لذلك مقام العلم. ولذلك لا يحسن منه أن يأمر