بالناسوت صارا شيئا واحدا. وبعد ، فلو جاز ما قالوه ، لوجب أن يستحيل الموت على الناسوت ، إذ قد صار باتّحاد اللاهوت به شيئا واحدا ، وخرج عن طبيعته الناسوتية ، وجواز الموت عليه مما يختصّ به الناسوت. وبعد ، فيجب على قولهم أن يستحيل على المسيح ، بعد الاتّحاد ، كلّ صفة تختصّ الإنسان وكلّ فعل لا يجوز إلّا عليه ، نحو الأكل والشرب والصلب والقتل والطول والعرض والعمق والحركة والزوال ، لأنّه بالاتّحاد قد خرج عن طبيعته الناسوتية وجوهرها. وإلّا لم يكن لقولهم إنّه قد صار باتّحاد اللاهوت به شيئا واحدا ، مع أن حاله على ما كان عليه ، معنى ولا فائدة (ق ، غ ٥ ، ١٣٧ ، ١٨)
ـ من عبّر عن الاتّحاد بالحلول والامتزاج من النسطوريّة والملكانيّة فقد أبعد ، لأنّ من قولهم إنّهما لم يصيرا شيئا واحدا وإنّهما طبيعتان على ما كانا. ولو جاز أن يقال فيما هذه حاله اتّحد ، لوجب في العرض إذا حلّ في المحل أن يوصف هو والمحل بأنّهما اتّحدا ؛ وذلك فاسد (ق ، غ ٥ ، ١٤٢ ، ٣)
اتحد
ـ أمّا القول بأنّه (الإله) اتّحد بعيسى بمعنى أنّه حلّ فيه فإنّه يبطل بوجوه : منها أن كل شيء حلّ في شيء ووجد فيه بعد أن لم يكن فيه لا يخلو من قسمين ، إمّا أن يوجد فيه بأن يحدث كوجود العرض في الجوهر أو ينتقل إليه كانتقال الجوهر الذي يصير مجاورا لغيره ؛ ولا يعقل سوى هذين. لأنّا قد دللنا على أنّ الانتقال لا يصحّ على ما لا حيّز له ، ولا يمكن أن يقال إنّه ينتقل ويحلّ فيه. فإن حصل القديم في عيسى بأن انتقل ، اقتضى ذلك كونه جوهرا. وإن وجد فيه بأن حلّه وحدث فيه كحلول العرض ، فهذا يوجب حدوثه. على أنّ الانتقال إذا استحال عليه ، فالحدوث أولى أن يستحيل عليه ، لأنّ حدوث الموجود أشدّ استحالة من انتقال ما ليس بجوهر (ق ، غ ٥ ، ١٢٦ ، ٤)
ـ مما يبطل قولهم إنّه اتّحد بمعنى أنّه حلّ فيه ، أنّ كل شيء وجد لا في محل يستحيل وجوده في محل. يدلّ على ذلك أنّ الجوهر لمّا استحال حلوله في المحل استحال ذلك فيه على كل وجه ؛ ولما صحّ حلول العرض في المحل وجب كونه حالّا فيه في كل حال ؛ فيجب بطلان قولهم إنّه حلّ في عيسى بعد أن لم يكن حالّا فيه (ق ، غ ٥ ، ١٣٠ ، ١٣)
ـ أمّا ما ذهب إليه أكثر اليعقوبية من أنّ جوهر الإله وجوهر الإنسان اتّحدا فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا طبيعة واحدة فباطل. لأنّ الشيئين يستحيل أن يصيرا شيئا واحدا في الحقيقة ، كما يستحيل أن يصير الشيء الواحد شيئين ، وقد بيّنا في باب قبل هذا أن الشيء الواحد يستحيل أن يصير أشياء ؛ وذلك يوجب استحالة كون الشيئين شيئا واحدا (ق ، غ ٥ ، ١٣٧ ، ٥)
اتصال
ـ كان (الأشعري) يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)