هيكلّا ومحلّا. وقال بعضهم : حلّت فيه فدثرت به وعلى بدنه. وقال بعضهم : ليس على شيء من ذلك لكن على حسب ما تظهر صورة الإنسان في المرآة المجلوّة إذا نظر فيها. وقال بعضهم : على حسب ظهور نقش الخاتم في الطينة المطبوعة من غير انتقال النقش على الخاتم وحلوله في الطينة. هذه مذاهب من لم يجعل الكلمة والجسد شيئا واحدا (ق ، غ ٥ ، ٨٣ ، ٧)
ـ حكي عن بعضهم (اليعقوبية) في الاتحاد أنّه بمعنى المشيئة ، لا أنّ الذاتين اتّحدا في الحقيقة. واختلفوا في ذلك من وجه آخر : فذهب بعضهم إلى أنّ الجوهر العام اتّحد بالإنسان الكلّي. وقال بعضهم : اتّحد بإنسان شخصيّ. ثم اختلفوا فيه على هذين القولين. فمنهم من قال : اتّحد بالإنسان الكلّي ، ومنهم من قال بالإنسان الشخصي. وربما قالوا إن الابن اتّحد بالإنسان الكلّي ليخلّص الكل. وقال بعضهم : اتّحد بالإنسان الجزئيّ ليخلّص الجزء (ق ، غ ٥ ، ٨٣ ، ١٦)
ـ لا يخلو قولهم بالاتحاد من وجوه : إمّا أن يقولوا إنّ الابن من جملة الأقانيم اتّحد بعيسى ، أو يقولوا إنّ المتّحد به الجوهر الذي هو ثلاثة أقانيم. فإن قالوا إنّ الابن اتّحد به ، فلا يخلو من أن يقولوا إنّ الابن خالق صانع فاعل إله ، أو يجعلوا الخالق الإله هو الأب الذي الكلمة ابنه دون الأب. ثم لا يخلو قولهم" اتّحد به" من وجوه : إمّا أن يقولوا إنّه على ما كان عليه ، لكن مشيئة الابن هو مشيئة المسيح أو مشيئة المسيح هو مشيئته ، أو مشيئتهما متغايرة ، لكن ما يشاؤه أحدهما يجب أن يشاءه الآخر. فهذا ما نريده بالاتحاد ، وإن كانت ذات الإله وذات الإنسان أو جوهرهما على ما كان ، أو يقولوا إنّ الاتحاد قد اقتضى خروج ذاتيهما عمّا كانتا عليه. ولا يخلو عن ذلك من أن يقولوا إنّه اتّحد به بأن جاوره وصار عيسى كالطرف له. وقد حكى ذلك عن بعضهم أنّه قال خالطه ومازجه ، أو يقولوا إنّه حلّ فيه لا أنّه جاوره. وقائل هذا القول لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يقولوا إنّه حلّ في جميع أجزاء عيسى ، أو يقولوا إنّه حلّ في جزء منه. هذا إذا قالوا إنّه وإن اتّحد به فليس يخرج من أن يكون هو وعيسى جوهرين وذاتين ، فأمّا إذا قالوا إنّهما صارا واحدا في الحقيقة على ما حكيناه عن أكثر اليعقوبية أن الجوهرين صارا جوهرا واحدا ، فعندهم أنّ الاتّحاد قد أخرج الذاتين والجوهرين من أن يكونا كذلك إلى أن صارا واحدا. ثم لا يخلو من قال بهذه الأقاويل أن يقول إنّه إذا اتّحد به يصير متّحدا به أبدا ، أو يقولوا إنّه يتّحد به في حال دون حال. وكذلك لا يخلو قولهم عند موت عيسى وصلبه ، على ما يذهبون إليه ، أن يقولوا إنّه يتّحد به كما كان ، أو خرج من أن يكون متّحدا به. فهذه جملة ما تحتمله قسمة العقل في الاتّحاد. ونحن نبيّن فساد جميعه ثم نبطل قولهم في عبادة المسيح وما يتعلّق به (ق ، غ ٥ ، ١١٤ ، ٦)
ـ إنّ اللاهوت لو جاز أن يتّحد بالناسوت ويصير شيئا واحدا ، لجاز أن يصير الجوهران بالمجاورة جوهرا واحدا ، أو العرض بحلوله في الجوهر مع العرض شيئا واحدا ، أو الأعراض باجتماعها في المحل الواحد تصير شيئا واحدا. فإذا بطل ذلك ، ولم يؤثّر تعلّق الشيء بغيره في هذا الباب على اختلاف وجوه التعلّق فيه ، بطل القول بأنّ اللاهوت باتّحاده