مضمر أو أخبار وقصد ، لأنّه أضمر بقلبه الشيء ، إذا أراده ونواه. فإذا استحال القلب عليه تعالى ، لم يجز أن يوصف بأنّه معتقد ، وإن كان له حال العالم منّا (ق ، غ ١٢ ، ٢٧ ، ٢١)
ـ لا يصحّ أن يقال ، في العلم : إنّه يوجب كون العالم ساكن النفس لذاته بشرط. لأنّ الوجوه التي يقع عليها ، فتصير علما ، لا يصحّ أن تجعل شرطا ، لانفصالها منه وتعلّقها باختيار مختار. فلا فرق بين من قال ذلك ، وبين من قال في القبيح : إنّه إنّما يقبح ، لو أنّه يشترط اختصاصه بالوجه الذي له يقبح. وقد عرفنا بطلان ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣١ ، ١٨)
ـ مما قاله شيخنا أبو عبد الله ؛ رحمهالله. لأنّه قال : إنّ العلم لاختصاصه بحالة واحدة ، يقتضي هذين الحكمين : أحدهما سكون نفس العالم ؛ والآخر صحّة الفعل المحكم منه ، إذا كان متمكّنا. كما أنّ وصف الحيّ بأنّه حيّ ، يقتضي صحّة كونه قادرا ، وعالما ، ومريدا ، ومدركا. قال : وإنّما يستحيل ذلك فيما يوجب الحكم إيجاب العلّة ، لأنّه مرجع إلى ذاته. ولا يصحّ أن يجعل في ذاته على صفتين مختلفتين لنفسه. وهذا مخالف لما قدّمناه في العلم ، لأنّه يوجب الحكمين لا محالة. وكونه حيّا ، يصحّح ولا يوجب ، فالأولى أن يرتّب على ما قدّمناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ٥)
ـ اعلم ، أنّ كلام شيخينا ، رحمهماالله ، كالدالّ على خلاف ما قدّمناه. لأنّهما يجعلان العلم مقتضيا لسكون نفس العالم ، لوقوعه على وجه لاختصاصه بحال ، وإن كان شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، ربما يذكر مثل ما قدّمناه في القبيح والحسن. والذي قدّمناه هو الأولى ، لأنّه إذا وجب كون العالم ساكن النفس ، واستحال أن لا يوجب كونه كذلك ، ورجع هذا الإيجاب إلى العلم دون غيره ، على ما قدّمناه ؛ فيجب أن يكون مقتضيا لذلك ، لاختصاصه بصفة هو عليها ، كما قلناه في الحسن والقبيح وغيرهما. بل الحال في العلم آكد ، لأنّ الحكم الراجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وليس كذلك الحسن والقبيح ، فهو بمنزلة كون الجوهر متخيّرا في أنّه إنّما صحّ أنّه كالعلّة في احتماله للأعراض ، لما كان احتماله لها يرجع إليه دون غيره ، ولا ينفصل عنه (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ١٤)
ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمهالله ، فلم يمنع من اختصاص العلم بسكون النفس ، لأنّه قد صرّح بأنّ الجاهل والظانّ لا تسكن نفوسهما ، وإنّما عدل عن جعل ذلك أمارة لكونه علما. وقال : إنّما يفصل العلم عنده من غيره ، لسلامته ، ونفى التناقض عنه ، والجهل بخلافه. وهذا لا يصحّ عند شيخنا أبي هاشم ، رحمهالله ، لأنّ سلامته من الانتقاض ترجع إلى طريقة ، لا إليه. ويجب أن نجعل ، ما به ينفصل العلم من غيره ، راجعا إليه ، لا إلى طريقه ، ليصير شاملا لجميع العلوم : الضروريّ ، والمكتسب. وقد علمنا أنّ معنى السلامة من الانتقاض إنّما يصحّ في المكتسب دون غيره. ولذلك قال ، رحمهالله ، في نقض المعرفة : إنّه يعلم المحق محقّا بالأدلّة. يبيّن ذلك ، ما قلناه : إنّ المخبر إذا أخبر عن أكله وشربه ، وإن كان كاذبا ، فليس هناك ما يوجب انتقاض ما خبّر عنه. فيجب على هذا أن يكون اعتقاد المعتقد له علما.
وإنّما يصحّ أن يقال : إنّ الانتقاض إذا دخل في الشيء ، دلّ على فساده. فأمّا السلامة من الانتقاض ، فلا تجب كونه دالّا على الصحة (ق ، غ ١٢ ، ٣٧ ، ٢٠)