يستعمل في غير هذا الوجه أيضا (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ٧)
ـ قد اختلف الناس في حدّ العلم اختلافا متباينا. فقال بعضهم : إنّ العلم بالمعلوم هو الإحاطة به ، ومنع أن يوصف تعالى بأنّه يعلم ، من حيث لم يجز أن يحاط به. وهذا باطل ، لأنّ حقيقة الإحاطة إنّما تصحّ في الأجسام الحاوية لما يحصل وسطا لها ، والعلم وإن كان يتعلّق بالمعلوم ، فإنّه لا يختصّ به هذا الاختصاص ، ولهذا يصحّ أن يعلم به المعدوم والموجود. ولا فرق بين من قال ، في العلم : إنّه إحاطة للمعلوم ، وبين من قال مثله في الإرادة وسائر ما يتعلّق بغيره من المعاني. وقال بعضهم ، في العلم : إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ؛ وهذا بعيد. لأنّ المبخّت والمقلّد قد يعتقدان الشيء على ما هو به ، ولا يكونان عالمين. ولذلك يجدان حالهما كحال الظان والشاك (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ١٢)
ـ لا يصحّ أن يجعل العلم إثباتا للمعلوم ، لأنّه قد يعلم به المعدوم والموجود. ألا ترى أن الخبر إنّما يوصف بأنّه إثبات إذا تناول الموجود. فأمّا ما يفيد عدم الشيء ، فإنّه يوصف بأنّه نفي؟ (ق ، غ ١٢ ، ٢٠ ، ١)
ـ إنّ الذي يدلّ على العلم ، أنّ الواحد منّا يجد نفسه معتقدا للشيء ، ساكن النفس إلى ما اعتقده ، كالمدركات وغيرها. ويفصل بين حاله كذلك ، وبين كونه مبخّتا ظانّا مقلّدا. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه إنّما اختصّ بذلك لمعنى ، فيجب أن يكون ذلك المعنى هو الذي يفيده بقولنا : علم ومعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ٦)
ـ قد قال شيخنا أبو علي رحمهالله ، في العلم : إنّه مدرك ، لو لا ذلك لما وجد الإنسان نفسه عالما. لأنّ هذا الوجود يرجع إلى إدراك العلم. وليس الأمر كما قاله ، لأنّ العلم لو أدرك ، لأدرك محلّه. فكان يجب أن يفصل بين محلّه ، وغير محلّه ، كالألم. ولوجب في المختلف منه أن يتضادّ. ولوجب أن يستغني الواحد منّا ، في إثبات العلم ، عن النظر (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ١١)
ـ قد حكى أبو القاسم ، رحمهالله ، في كتاب المقالات عن فريق من الناس : أنّه غير الاعتقاد. وحكى شيخنا أبو علي ، رحمهالله ، في مسائل الخلاف ، على شيخنا أبي الهذيل ، أنّه كان يقول في العلم : إنّه اعتقاد.
فهو قولنا. فإن قال : إنّه جنس سواه. فهو مخالف لنا. وتكلّم عليه في ذلك ، ولم يقطع من قوله على أحد الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ٦)
ـ الذي يقوله شيوخنا ، رحمهمالله ، في العلم : إنّه من جنس الاعتقاد ، فمتى تعلّق بالشيء على ما هو به ، ووقع على وجه يقتضي سكون النفس ، كان علما. ومتى تعلّق بالشيء على ما ليس به ، كان جهلا. ومتى تعلّق به على ما يقوّيه ، ولم يقتض سكون النفس ، لم يكن علما ولا جهلا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٧)
ـ أجابا (الشيخان) رحمهماالله ، عن ذلك : بأنّ العلم إنّما وصف بأنّه اعتقاد ، من حيث شبّه بعقد الحبل وإحكامه ؛ ووصف العالم معتقدا ، من حيث كان العلم ، الذي به علم ، اعتقادا. ولذلك يوصف بأنّه عالم ، قبل العلم بالعلم أصلا ؛ ولا يوصف بأنّه معتقد ، إلّا بعد إثبات العلم اعتقادا. فلذلك لا يجب وصفه تعالى بأنّه معتقد ، لما كان عالما بذاته ، وفارق حاله حال الواحد منّا. ولأنّ المعتقد وصف بذلك ، لأنّه عقد بقلبه على ما اعتقده ؛ كما وصف بأنّه