ـ إنّ العلم ، وإن كان يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فإنّه لا يصير علما على ما هو به ، لمكان العلم. كما لا يصير العلم علما ، لكون معلومه على ما هو به. وقد شرحنا ذلك من قبل ، فإذا لم يجب ذلك في العلم ، فبأن لا يجب ذلك في الاعتقاد أولى. وكان يجب ، على قولهم هذا ، إذا كان الإنسان قادرا على الاعتقادات المختلفة في الأمور ، أن يقدر أن يجعلها على الصفات التي يصحّ أن يعتقدها فيه ، فيجعل السواد مرّة سوادا ، ومرّة بياضا ، والجسم مرّة قديما ، ومرّة محدثا ، وقد علمنا أنّه إن كان قديما لم يجز أن يتغيّر حاله وإن كان محدثا (ق ، غ ١٢ ، ٤٩ ، ٥)
ـ إنّ الذي يؤثّر في العلم هو الشبهة القادحة في دليله ، كأنّه يعتقد أنّ الدليل ، ليس هو بالصفة ، الذي يدلّ ، فينتفي العلم. فأمّا إذا كانت الشبهة غير قادحة في الدليل ، فإنّها لا تقتضي انتفاء العلم. وقد تكون هذه الشبهة مما ينظر فيها المخالف ، ويحصل له عنده الجهل ؛ فيجب ، إذا نظرنا نحن فيها ، أن يكون هذا حالنا. وأكثر الشبه ، التي ينظر فيها المخالف ، هو من هذا القبيل. لأن ما يقدح في الدليل إنّما يتعلّق بالدليل لا بنفس المذهب. مثال هذا ، ما يقوله أصحاب الطبائع : إنّ الإحراق إذا وجب ، أن يكون واقعا بطبع النار ، لأنّه يجب وجوده عنده ؛ فيجب ، عند قوة الدواعي ، أن يكون التصرّف واقعا بالطبع ، فإن أداهم هذا النظر إلى الجهل بحال القادر ، فيجب إذا نظرنا في مثله أن يتولّد لنا الجهل. وفي بطلان ذلك ، دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١٢ ، ١١٠ ، ١٢)
ـ إنّ العلم من جنس الجهل ، لأنّه إذا كان المعتقد على ما هو به كان علما إذا وقع على وجه مخصوص ، وإذا لم يكن على ما هو به كان جهلا ؛ وإنّما تختلف حال الاعتقاد لأمر يرجع إلى المعتقد ، لأنّ أحدنا إذا اعتقد كون زيد في الدار فإنّما يصير هذا الاعتقاد من باب الجهل أو من جنس العلم بحسب حال زيد ، فصحّ أنّ الجنس واحد على هذا الوجه. وإذا كان كذلك ، فيجب إذا قدر على أن يعتقد كونه في الدار وليس هو فيها أن يصحّ أن يعتقده وهو فيها ، على هذا الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٢١٤ ، ١٤)
ـ اعلم ، أنّ كلّ علم يتعلّق بظنّ ، فلا بدّ من أمارة ترد ليحصل الظنّ للعاقل ويتبعه العلم. ومتى فقد الظنّ ، فقد بفقده العلم ، لتعلّق بعض ذلك ببعض (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ٤)
ـ إنّ العلم قد يكون علما وإن لم يكن المعلوم مدركا ، فأبطلنا قول من لم يصحّح العلم إلا بالمدرك ، وبيّنا أن قولهم يقارب قول السّوفسطائية ، ودللنا على أن ما يتولّد عن النظر علم في الحقيقة ، وأن العلم بالله سبحانه وبسائر ما يلزم المكلّف علم صحيح (ق ، غ ١٤ ، ١٢٩ ، ١٧)
ـ قد علمنا أنّه لا فائدة له بأن يكون المخبر على صفة أو ليس عليها ، وأنّ فائدته في ذلك إنّما تقع بأن نعلمه كذلك ، أو نعتقده على طريقة الظنّ. ولا حكم لما عدا هذين ؛ لأنّ ما خرج عنهما يصير كالتبخيت ، الذي وقوعه عقيب الخبر ، يحلّ محلّ وجوده ابتداء. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه ، فيما يقتضيه من العلم ، لا يخرج من قسمين : إمّا أن يقع ، عنده ، من فعل الله سبحانه ، فيكون علما ؛ أو ينظر فيه السامع فيكسب ، بنظره في أحوال الخبر ، علما. وما