المحدود فيها غيره. وبطلان ذلك ظاهر. فإذا صحّ ذلك ، فيجب أن يحدّ العلم بما قدّمناه. وهذا هو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ، رحمهالله (ق ، غ ١٢ ، ١٣ ، ٣)
ـ فيما ذكره شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهماالله ، من أنّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به. إذا دفع على وجه ، وإن اختلفا في العبارة عن ذلك ، أن يكون هذا مقصدهما. لأنّهما قد بيّنا ، في غير موضع ، أنّ الحدّ يجب أن يتناول ما به يبيّن المحدود من غيره. لكنهما لما علما أنّ المقصد بالحدّ الكشف عن الغرض ، لم يمتنع عندهما في كثير من الحدود أن يكون الأولى فيه ذكر مقدّمات له. كما أنّه لا يمتنع في كثير منها أن يضم إليه غيره مما لو حذف لاستغنى عنه ... ولذلك قالا : إنّ حدّ العالم أن يصحّ الفعل المحكم منه ، إذا كان قادرا عليه مع السلامة. وقد علمنا أنّ كونه قادرا ، وما شاكله ، لا يحتاج إليه فيما به يبيّن العالم من غيره. لكن الذي جعلوه حدّا في العالم ، لمّا كان لا يمكن إلّا في القادر ، ذكروه (ق ، غ ١٢ ، ١٣ ، ١٨)
ـ إنّما يجب أن تفسّر الحدود بما لا يقتضي فيه الجهل بالمحدود وحصره ، بأن يلزم عليه أن يدخل فيه ما ليس منه ، وأن يخرج عنه ما هو منه. فأمّا لم يلزم عليه ذلك ، وإنّما ذكر القاصد إلى ذكر الحدّ ما يظنّ أنّه ينكشف به ، فالعيب له غير لازم. فلذلك صحّ أن يحدّ شيوخنا العلم بما ذكروه ، من قولهم : إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ، مع سكون النفس الذي يختصّ به العلم ؛ وعلموا أنّ هذه العبارة لا تنكشف لكل أحد ، لم يروا الاقتصار عليها جائزا ؛ فقرنوا بها ما ذكرناه ، من أنّ العلم متى حدّ بأنّه اعتقاد الشيء على ما هو به على وجه يقتضي سكون النفس فقد جعل معلولا بعلّتين ، لا يلزم على ذلك. لأنّ الذي يجب أن يبطل فيه ، أن يعلّل الشيء بعلّة ما تتعلّق بالمعاني ؛ فأمّا ما يتعلّق بالعبارات ، فغير ممتنع ولم يقولوا : إنّه إنّما صار علما ، ومخالفا لغيره من الاعتقادات ، لهذين الوجهين (ق ، غ ١٢ ، ١٥ ، ٨)
ـ يسمّى العلم تبيّنا وتحقّقا واستبصارا ، إذا كان مستدركا بعد شك. ولذلك لا يوصف تعالى بأنّه متبيّن ، ولا يوصف الواحد منّا بأنّه تبيّن وجود نفسه ، وكون السماء فوقه ، لما كان معنى في الارتياب لا يصحّ فيه. ويوصف بأنّه فهم وفقه وفطنة ، إذا كان علما بمعنى الكلام أو ما شاكله. وعلى هذا الحدّ ، يقال ، في الإنسان :
شعر بكذا ، إذا فطن به (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ١٠)
ـ أمّا وصف العلم بأنّه عقل ، فقد بيّنا أنّ الغرض به التشبيه لعقل الناقة من وجهين. وأصل استعماله فيه مجاز ، فلذلك لم يستعمل في جميع العلوم ؛ وكذلك وصف العلم بأنّه إحاطة وإدراك. لأنّ الإنسان وإن كان يقول : أدركت معنى كلامك ، بمعنى علمته وأحطت علما بما ذكرته ؛ فذلك توسّع ، لأنّ حقيقة الإدراك ترجع إلى ما يختصّ به الحي مما يجوز على الساهي والعالم ، والإحاطة تختصّ الأجسام التي يصحّ فيها أن تحتوي على غيرها (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ٢٠)
ـ أمّا وصف العلم بأنّه وجود ، فقد قال شيخنا أبو علي ، رحمهالله : إنّه حقيقة فيما جرى عليه ؛ لأنّهم يصفون العارف لموضع ضالته أنّه وجدها. وقال : لهذا يجوز أن يوصف تعالى ، فيما لم يزل ، بأنّه واحد ؛ وأنّه يحدّ الأشياء ، من حيث كان عالما بها ، وإن كان قد