لحما ودما بالاتحاد. وزعم كثير منهم ، أعني اليعقوبيّة والنّسطوريّة ، أن اتحاد الكلمة بالنّاسوت اختلاط وامتزاج كاختلاط الماء وامتزاجه بالخمر واللبن إذا صبّ فيهما ومزج بهما. وزعم قوم منهم أنّ معنى اتحاد الكلمة بالناسوت الذي هو الجسد هو اتخاذها له هيكلا ومحلّا وتدبيرها الأشياء عليه وظهورها فيه دون غيره (ب ، ت ، ٨٦ ، ٩)
ـ قال بعضهم (النصارى) : أقول إنّ الكلمة اتحدت بجسد المسيح عليهالسلام على معنى أنّه حلّته من غير مماسّة ولا ممازجة ولا مخالطة كما أقول إن الله سبحانه حالّ في السماء وليس بمماسّ لها ولا مخالط ، وكما أقول إنّ العقل جوهر حالّ في النفس ، وهو مع ذلك غير مخالط للنفس ولا مماسّ لها (ب ، ت ، ٨٦ ، ٢٢)
ـ زعمت الروم وهي الملكية أنّ معنى اتحاد الكلمة بالجسد أنّ الاثنين صارا واحدا ، وصارت الكثرة قلّة ، وصارت الكلمة وما اتحدت به واحدا ، وكان هذا الواحد بالاتحاد اثنين قبل ذلك. هذا جملة المشهور عنهم في معنى الاتحاد (ب ، ت ، ٨٧ ، ٣)
ـ أمّا الكلام في الاتحاد ، فالأصل فيه أن نبيّن حقيقته أولا. اعلم أنّ الاتحاد في اللغة افتعال من الوحدة ، لأنّهم متى اعتقدوا في الشيئين أنّهما صارا شيئا واحدا يقولون : إنّهما اتحدا. والشيئان وإن استحال أن يصيرا شيئا واحدا ، إلّا أنّهم إذا اعتقدوا صحّته لم يكونوا مخطئين في التسمية ، وإنّما خطؤهم في المعنى على مثل ما نقوله في تسميتهم للأصنام آلهة ، وهذا لأنّ الأسامي تتبع اعتقادهم (ق ، ش ، ٢٩٥ ، ١١)
ـ اعلم أنّهم متّفقون على الاتّحاد. والذي أدّاهم إلى ذلك أنّهم شاهدوا أفعالا منه (المسيح) لا تتأتّى إلّا من الله تعالى نحو إحياء الموتى وإبراء الأكمّة والأبرص ، فقالوا بأنّه لا بدّ من إلهيّة فيه فأثبتوا الاتّحاد ، وهذه اللفظة تستعمل في أن يصير الشيئان شيئا واحدا ، وإن كنّا قد عرفنا أنّ الشيء ربما صار غير ما كان ، فأجريت لفظة التغيير على هذا الوجه ، وإن كنّا قد عرفنا بالعقول أنّ هذا لا يصحّ ، وقد تستعمل من بعد هذه اللفظة في ضرب من الاختلاط والمجاورة بين نفسين ، فيقال هما متّحدان (ق ، ت ١ ، ٢٢٣ ، ١٨)
ـ اختلفوا في المسيح والاتحاد : فزعمت النسطوريّة أنّ المسيح إله وإنسان ماسح وممسوح اتّحدا فصارا مسيحا واحدا. ومعنى اتّحدا أنّه صار من اثنين واحد. والمسيح عندهم على الحقيقة جوهران أقنومان : جوهر قديم لم يزل وهو الكلمة التي هي أحد أقانيم الإله وجوهر محدث كان بعد أن لم يكن وهو يشوع المولود من مريم. وربما جعلوا بدل" اتّحد"" تجسّد" ؛ وربما قالوا" تأنّس" و" تركّب". وذهبت الملكانيّة إلى أنّ المسيح جوهران أحدهما قديم والآخر محدث. وزعم أكثر اليعقوبيّة أنّ المسيح جوهر واحد ، إلا أنّه من جوهرين أحدهما جوهر الإله القديم ، والآخر جوهر الإنسان اتّحدا فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا ؛ وربما قال بعضهم طبيعة واحدة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١٩)
ـ اختلفوا (النصارى) ، بعد اتّفاقهم على أنّ الاتحاد أمر حادث صار المسيح به مسيحا ، في ذلك الأمر الحادث ما هو وعلى أي وجه كان ، فقال بعضهم : إنّ الكلمة اتّحدت بذلك الإنسان على طريق الامتزاج. وقال بعضهم : اتّخذته