أحدهما أنّه يمنع من الإقدام عمّا تنزع إليه نفسه من الأمور المشتهاة المقبحة في عقله ، فشبّه هذا العلم بعقل الناقة المانع لهما عمّا تشتهيه من التصرّف. والثاني أنّ معه تثبت سائر العلوم المتعلّقة بالفهم والاستدلال. فمن حيث اقتضى ثبات سائر العلوم المتعلّقة بالفهم والاستدلال شبّه بعقال الناقة المقتضي لثباتها. ولذلك لم نصفه ـ تعالى ـ بأنّه عاقل ، وإن علم كل ما يعلمه العاقل بل جميع المعلومات (ق ، غ ١١ ، ٣٨٦ ، ٧)
ـ لم يسمّ كلّ علم بقبيح بأنّه عقل ، وإنّما يخصّ بذلك العلوم الضروريّة. وإنّما وصفنا جميع العلوم بذلك لأنّ العلم بقبح القبيح لا يتمّ إلّا به ، فصار بمنزلته من هذا الوجه ، فجعل الاسم اسما لجميعه ، والمراهق فليس يحصل له العلم بالمقبّحات ، وإنّما يحصل ظانّا بها ، فلذلك لم يوصف بهذه الصفة. وليس لأحد أن يقول : يجب أن تصفوا الظنّ بقبح القبيح إذا صرف عن فعله كصرف العلم عنه بأنّه عقل ؛ لأنّا قد بيّنا أن المجاز لا يقاس. فإذا لم يجب وصف سائر العلوم بالقبائح بذلك فبألّا يجب وصف الظنّ والاعتقاد بذلك أولى. وهذه التسمية وإن كانت بالصفة التي ذكرناها من حيث اللغة فلا يمتنع أن تكون حقيقة بالاصطلاح للجملة التي ذكرناها من العلوم ؛ لأنّ المتكلّمين قد جعلوها موضوعة لما ذكرناه ، وإن اختلفوا في العلوم التي بها يتكامل العقل ، واختلافهم في ذلك لا يؤثّر في اتّفاقهم من أنّ ما عند كل واحد منهم أنّه يصحّ معه التكليف نسمّيه عقلا. وأهل اللغة فليس يقصدون بذلك إلى العلم وإنّما يفيدون به المنع وما يجري مجراه ، وقع ذلك بالعلم أو غيره (ق ، غ ١١ ، ٣٨٧ ، ٦)
ـ إنّ العقل يدلّ على الشكر والعبادة لله تعالى ، كما ذكرته ، ولكنّه لا يدلّ على أعيان الأفعال التي بها يعبد ، وعلى شروطها ، وأوقاتها وأماكنها ؛ لأنّها ، لو دلّت على ذلك ، لكان ذلك كدلالتها على سائر الواجبات العقلية ، التي عند وجود سببها لا تختلف أحوال المكلّفين فيه. فكان يجب أن تكون هذه أحوال هذه الأفعال ، وكيف يدلّ العقل على أنّ الصلاة بلا طهارة لا تكون عبادة ، ومع الطهارة تكون عبادة ، وحال الخضوع فيها وبها لا تتغيّر ؛ وأن صوم يوم النحر لا يكون عبادة ، وقبله يكون عبادة ؛ وأنّ أداء الزكاة ، على طريق الوجوب ، قبل الحول لا يكون عبادة ، وبعده يكون عبادة ؛ وأنّ الواجب أن تؤدّي إلى واحد دون الآخر؟ وذلك يبيّن أنّه لا مجال للعقليّات فيه على وجه من الوجوه (ق ، غ ١٥ ، ٢٧ ، ١٨)
ـ إنّ العقل يفصل بين القبيح والحسن ، وفصله إن لم يكن أقوى من فصل الحسّ بين السواد والبياض ، فلا يكون دونه (ن ، م ، ١١٥ ، ٧)
ـ إنّ العقل على الحقيقة إنّما هو استعمال الطاعات واجتناب المعاصي ، وما عدا هذا فليس عقلا بل هو سخف وحمق (ح ، ف ٣ ، ١١٦ ، ٢٣)
ـ إنّ العقل فعل النفس وهو عرض محمول فيها وقوة من قواها فهو عرض كيفية بلا شكّ (ح ، ف ٥ ، ٧٢ ، ١٦)
ـ لفظة العقل في لغة العرب إنّما هي موضوعة لتمييز الأشياء واستعمال الفضائل ، فصحّ ضرورة أنّها معبّرة بها عن عرض (ح ، ف ٥ ، ٧٢ ، ٢١)
ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ العقل يتوصّل به إلى درك واجبات ، ومن جملتها النظر ، فيعلم وجوبه