ـ إنّ العقل في الشاهد يدلّ على فاعل مختار حتى صار كالحقيقة فيه فلا يتغيّر شاهدا وغائبا. ولو أنّهم أرادوا بذلك الفاعل المختار فلا مشاحة بيننا وبينهم إلّا في العبارة ، والمرجع فيها إلى أرباب اللسان وأهل اللغة ، ومعلوم أنّهم لا يسمّون الفاعل نفسا ولا عقلا ولا علّة (ق ، ش ، ١٢١ ، ٤)
ـ أمّا العقل فإنّ المكلّف يحتاج إليه ؛ لأنّ به يعلم الكثير مما كلّف ؛ نحو وجوب ردّ الوديعة وشكر المنعم وقبح الظلم وحسن الإحسان ، ويتوصّل به إلى العلم بسائر ما كلّفه عقلا وسمعا ممّا طريقة الاستدلال ؛ لأنّه لا يصحّ منه أن ينظر في الأدلّة إلّا وهو كامل العقل وعالم بالأدلّة على الوجه الذي تدلّ. ويحتاج إليه في أداء الأفعال أجمع ؛ لأنّه متى لم يكن عاقلا لم يصحّ أن يؤدّيها على الوجه الذي يستحقّ بها الثواب والعقاب (ق ، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ٨)
ـ اعلم أنّ العقل هو عبارة عن جملة من العلوم مخصوصة ، متى حصلت في المكلّف صحّ منه النظر والاستدلال والقيام بأداء ما كلّف (ق ، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ١٧)
ـ لسنا نمتنع من وصف العقل بأنّه جوهر إذا أريد بذلك أنّه الأصل للعلوم ، وإن كان ذلك مخالفا للّغة وللاصطلاح. فإن أرادوا به هذا المعنى فقد أصابوا المعنى وأخطئوا اللفظ. وإن أرادوا أنّه بصفة الجواهر فقد دللنا على خلافه. على أنّ العقل يوجب كون العاقل عاقلا (ق ، غ ١١ ، ٣٧٧ ، ١)
ـ أمّا من قال في العقل : إنّه قوّة فإن أراد به أنّه لولاه لما صحّ الاستدلال والنظر على وجه يؤدّيان إلى العلوم فشبّهه من هذا الوجه بالقدرة التي يتمكّن بها من الفعل ، فهو مصيب في المعنى ، وإن وضع اللفظ في غير موضعه. وإن أراد أنّ العقل قدرة في الحقيقة وإن كان قدرة على العلوم التي تحصل للعاقل ، فيجب ألّا يمتنع أن يكون عاقلا وإن لم يحصل عالما بهذه المعلومات ، بل يجب في بعض الأوقات أن يكون كذلك لأنّ القدرة متقدّمة للفعل. وفي استحالة ذلك دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١١ ، ٣٧٩ ، ٥)
ـ إنّ العقل هو عبارة عن العلوم المخصوصة التي نذكرها في هذا الباب. فإن قال : فما تلك العلوم؟ أتقولون فيها : إنّها علوم محصورة بعدد ، أو تحصر بالصفة دون العدد ، أو لا يصحّ حصرها أصلا؟ قيل له : هي محصورة بالصفة ، ولا معتبر فيها بعدد. والأصل في ذلك أنّ الغرض بالعقل ليس هو نفسه ، وإنّما يراد أن يتوصّل به إلى اكتساب العلوم ، والقيام بما كلّف من الأفعال ، فلا بدّ من أن يحصل للعاقل من العلوم ما يصحّ معها أن يكتسب ما يلزمه من المعارف ، ويؤدّي ما وجب عليه من الأفعال ، وما تسلّم معه هذه العلوم ، وما يكون أصلا لهذه العلوم ويجري مجراه في الجلاء ؛ لأنّ العلوم يتعلّق بعضها ببعض لخلال منها أنّ الطريق الواحد قد يجمعها ، فمتى جمع العلوم الطريق الواحد ولم يحصل العلم ببعضها لم يسلم العلم بسائرها. ومنها أن بعضها قد يترتّب على بعض ويكون أصلا له ، حتّى لا يصحّ حصول الفرع إلّا مع الأصل. ومنها أنّ الخفيّ منه يجري مجرى الفرع على الجليّ ، وإن لم يكن فرعا عليه في الحقيقة ؛ لأنّه لو لم يخطر بباله كثير من الأمور الجليّة لم يمتنع ألّا يحصل له العلم بالخفيّ (ق ، غ ١١ ، ٣٧٩ ، ١١)
ـ أمّا العقل فإنّما يوصف بذلك لوجهين :