وإن كان في نفسه يستحيل حدوثه. قيل له : إنّه رحمهالله قد قال ذلك في الجامع الصغير ، لكنّ الصحيح عندنا أنّ الإرادة تحتاج في تعلّقها بالشيء إلى أن يكون في نفسه مما يصحّ حدوثه ، فأمّا في وجودها غير متعلّقة فإنّها تتعلّق بكون المريد معتقدا لحدوث الشيء فقط. ولذلك قال شيوخنا رحمهمالله : لو اعتقد الواحد أنّ الجسم يبقى ببقاء يحدث حالا بعد حال لصحّ أن يريد ذلك ، ولا تكون الإرادة متعلّقة بشيء ، بل تكون إرادة لا مراد لها ، ولا فرق بين ذلك وبين أن يعتقد في الباقي أن يحدث حالا بعد حال أن يريده وإن كان في نفسه يستحيل حدوثه ؛ لأنّ الحدوث شرط في تعلّقها. فمتى لم يكن الشيء مما يصحّ الحدوث فيه يجب ألا يتعلّق ، كان الشيء معلوما في الأصل أو لم يكن. ولو صحّ ما قاله رحمهالله لم يطعن ذلك فيما نريد إثباته : من أنّ العالم بأنّ الشيء لا يختاره القادر عليه قد يصحّ أن يريده إذا علم أنّ اختياره ممكن (ق ، غ ١١ ، ١٦٣ ، ٢٠)
ـ إنّ الأمر لا يفيد إلّا أحد أمرين. إمّا أن يستدلّ به على حال الفعل ، فمتى وجد الفعل أو فات وقته لم يصحّ حصول هذه الفائدة ، أو يفيد كونه لطفا في المراد والمأمور ، وذلك لا يصحّ متى وجد أو تقضي وقته ؛ لأنّ اللطف هو ما يدعو إلى الفعل ويقتضي اختيار الفعل عند المعرفة بحاله ، فإذا لم يصحّ من المكلّف إيجاد الفعل لم يكن لذلك معنى. فقد صحّ أنّ الأمر والإرادة يجب تقدّمهما الفعل لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٣٠١ ، ١٦)
ـ إنّ الإرادة تتناول الشيء على طريق الحدوث من فعله وفعل غيره ؛ لكنّها لا تحسن إلّا إذا تقدّمت إذا كانت تكليفا أو لطفا ، على ما بيّنّاه. فأمّا إن علم ـ تعالى ـ أنه متى أراد من المكلّف الفعل في حاله ، وعرف المكلّف كونه ـ تعالى ـ مريدا لذلك دعاه أو دعا غيره إلى أن يقوم بالطاعات في المستقبل فإنّها تحسن لكونها لطفا في غير مرادها. فأمّا إذا كانت لطفا في مرادها أو دلالة على حال الفعل فتقدّمها واجب (ق ، غ ١١ ، ٣٠١ ، ١٩)
ـ إنّ من قوله (الجاحظ) ، رحمهالله : إنّ الإرادة تقع من القادر لا بالطبع. وقد علمنا أنّ الدواعي إذا قويت في المراد ، فلا بدّ من أن تقوى في الإرادة ، لأنّ الدعي إلى المراد هو الذي يدعو إلى الإرادة ؛ فكيف يصحّ ، إذا أراد النظر ، أن تقع طباعا ، وإرادته اختيارا ، مع أنّ الداعي إليهما واحد (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٦ ، ١٠)
ـ إنّ الإرادة لا تتناول الأشخاص ، وإنّما تتناول الأفعال (ق ، غ ١٧ ، ٢١ ، ٣)
ـ الإرادة عندنا لا تأثير لها في إيجاد الذات ، ولا في أن تحصل على صفة من الصفات ، بل هي تابعة للداعي فلا تجب ، كإرادة حصول الضدّين أن يحصلا معا (ن ، د ، ٢١٨ ، ١)
ـ إنّ الإرادة لا يمكن فعلها إلّا مباشرا ، والقادر بقدرة لا يمكن بها أن يفعل ما قدّمنا إلّا بمحل القدرة عليه. فلهذا الوجه لا يصحّ من أحدنا أن يفعل إلّا في محل ، حتى إنّ أحدنا لو كان قادرا على الاختراع ، بأن يكون قادرا لنفسه ، لكان يصحّ منه أن يفعل هذه الإرادة لا في محل ، كما كان يصحّ من القديم تعالى. ولو كان القديم تعالى قادرا بقدرة لكان لا يمكنه أن يفعل لا في محل (ن ، د ، ٣٨٥ ، ٢)
ـ إن قيل : فلم لا يجوز أن يقال إن السبب وإن لم يختصّ بجهة فإنّه يولّد في بعض الجهات دون