ـ قد بيّنا أنّ الفعل إذا فعله لغرض يخصّه من غير أن يكون تابعا لغيره ، فلا بدّ من أن يكون مريدا له ، والإرادة إنّما تفعل لأجل مرادها ، ولما له يفعل المراد ، وعلى طريق التبع له. فلذلك لم يجب أن يريدها ، لأنّ تعلّقها بالمراد قد أغنى في كونها حكمة عن كونه مريدا لها. يبيّن ذلك أنّ الواحد منّا ، وإن وجب أن يريد أفعاله ، فلا يجب أن يريد إرادته ، وإن كان عالما بها كعلمه بالمراد ، من حيث كان يفعلها تبعا لمرادها ، ويفعل المراد لأمر يخصّه. فيجب أن يكون حكم القديم تعالى في ذلك كحكمنا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٩ ، ١٤)
ـ مريد قد يريد ما لا يكون ، كما يريد ما يكون ، لأنّ الإرادة جنس الفعل ، ولا يراعى في كونها إرادة تكوّن مرادها وحدوثه لا محالة. فلا فصل بين أن تتعلّق بما نعلم أنّه لا يحدث ، أو بما نعلم أنّه يحدث. وهي في هذا الوجه بمنزلة الاعتقاد الذي هو جنس الفعل ، وهي مخالفة للعلم. ولذلك يعلم أحدنا من نفسه أنّه مريد للشيء ، مع شكّه في حال مراده هل يكون أم لا يكون ، ولا يفصل بين حاله إذا أراد ما يكون وبين حاله إذا أراد ما لا يكون. ولذلك قد يريد من غيره الشيء ، ثم يستخبره عنه هل وجد أم لا؟ ولا يصحّ ذلك في العلم ؛ وذلك يبيّن الفرق بين الأمرين (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٥ ، ١٢)
ـ إنّ الإرادة لا تتعلّق بالشيء إلّا على طريقة الحدوث (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٦ ، ٤)
ـ إنّ الإرادة التي بها يصير مريدا توجد لا في محل ، وكذلك الكراهة ؛ فإذن لا يصحّ وجودهما إلّا من جهته. وهذا يصحّح ما يقوله الشيوخ رحمهمالله أنّ الإرادة فعل من أفعاله ، وأنّها من صفات الفعل ، لأنّهم يقصدون بذلك هذا الوجه. ولا يجوز أن يكون مرادهم في ذلك كمرادهم بقولهم إنّ كونه محسنا وصادقا من صفات الفعل. لأنّا قد دللنا على أنّ المريد لم يكن مريدا لأنّه فعل الإرادة فقط ، لأنّه لو فعلها في غيره لكان ذلك هو المريد بها دونه ، فإذا فعل الصدق والإحسان في غيره ، فهو الموصوف بهما دون من فعلا فيه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٤٧ ، ٣)
ـ إنّ الإرادة ... لا تتعلّق بأن لا يكون الشيء (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٩٧ ، ٩)
ـ إنّ الإرادة لا توجب لمحلها حكما ؛ لأنّ حكم محلّها وسائر أجزاء المريد حكم واحد ، وإنّما توجب الحكم للحيّ وتتعاقب هي وضدّها عليه ، ولذلك يستحيل وجود إرادة الشيء وكراهته على وجه واحد في جزءين من قلب الحيّ ، كاستحالتهما في جزء واحد ، وتتعلّق بالمراد بجنسها. ووجودها لا في محل يؤثّر في تعلّقها بالمراد ، ولا في إيجابها كون الحيّ مريدا بها. فقد صحّ أنّ كل حكم يجب عنها لجنسها ، أو لما هي عليه في الجنس ، يحصل لها وهي لا في محل ، كحصوله لها وهي في المحل ، وتضادّها لا في محل كتضادّها في المحل. فيجب ألا يمتنع وجودها لا في محل لهذا الوجه (ق ، غ ٧ ، ٢٩ ، ٢٠)
ـ إنّ الإرادة تتعلّق بالحدوث ، وما يتبع الحدوث من الأحكام ؛ فلذلك صحّ فيها هذا الوجه ، وشاركت العلم في هذا الوجه الواحد. ولا يجب أن لا تتعلّق بالشيء إلّا من الوجه الذي يقدر عليه أو يحدث منه ، حتى يجب إذا لم ترده على أحد الوجهين أن يكون معدوما. وكيف يجب ذلك ، وقد يخرج الشيء إلى الوجود وإن لم يرده القادر ، وأن يبقى معدوما وإن أراده؟