أو إرادة جملة من الفعل تقتضي وقوعها على وجه ، فقد يسمّى اختيارا ، لأنّ المسبّب قد صار في حكم الواقع بوجود مسبّبه ، فما قارنه من إرادة المسبب نفسه ، وجملة الخبر قد صار فيما تؤثّر فيه الإرادة كالشيء الواحد ، فما قارن أوّله كأنّه مقارن لجميعه. وإنّما قلنا إنّه الإرادة لأنّه لا يكون مريدا للفعل في حال إلّا وهو مختار له ، ولا يكون مختارا له إلّا وهو مريد. فقد صحّ أنّ أحدهما هو الآخر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٧ ، ١٠)
ـ أمّا تسميتها (الإرادة) خلقا عند شيخنا أبي هاشم رحمهالله فلأنّها مجامعة للمراد ، أو في حكم المجامعة له. وإن كان شيخنا أبو علي رحمهالله لا يسمّيها خلقا ، ويجعل الخلق عبارة عن المخلوق ، كما يقولانه في الفعل والمفعول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٩ ، ١)
ـ في أنّ الإرادة والكراهة إنّما تتعلّقان بالشيء على طريق الحدوث. اعلم أنّ من حقّهما أن يراعي في صحّة وجودهما حال الحيّ ، فمتى اعتقد صحّة حدوث الشيء جاز أن يريده ويكرهه ، ومتى اعتقد استحالة حدوثه امتنع ذلك عليه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦٨ ، ٢)
ـ قال شيخنا أبو هاشم : إنّ الإرادة التي بها يكون الخبر خبرا ، هي إرادة لا مراد لها ، وصحّح القول فيه. وقال في موضع آخر : إنّها متعلّقة به ؛ وهذا أولى ، لأنّ هذه الإرادة تؤثّر في الخبر ، وينفصل بها مما ليس بخبر ، فلو لم تكن متعلّقة به ، لم يصحّ هذا الوجه فيها (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٧٨ ، ١٣)
ـ إنّ الإرادة لا توجب الفعل. الذي يدلّ على أنّها لا توجب الفعل ، أنّها لو أوجبته ، لأوجبت كل ما تعلّقت به ، لأنّها ليست بأن توجب بعض ما تعلّقت به أولى من بعض ، لتعلّقها بالكل على طريقة واحدة. وهذه القضية واجبة في الأسباب ، لأنّها إذا تعلّقت بأشياء في الوجه الذي تولّده على أمر واحد ، لم تكن بأن توجب بعضه أولى من بعض ، على ما نقوله في الاعتماد ، وغيره من الأسباب (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٤ ، ٢)
ـ إنّ الإرادة قد تتقدّم المراد وقد تقارنه. إنّما قلنا : إنّها قد تقارن المراد ، لأنّ ما له يفعل المراد ، له يفعل الإرادة. ولذلك ما ألجأ إلى المراد ، ألجأ إلى الإرادة ، وما صرف عن المراد صرف عنها. فإذا صحّ ذلك فيجب أن تكون الحال التي فعل لها المراد ، فيها تفعل الإرادة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٩ ، ٢)
ـ كل فعل صار بالإرادة على حال مخصوصة ، فتلك الإرادة التي صار بها على تلك الحال ، لا تتعلّق بأن تكون على تلك الحال. وإنّما تتعلّق به على وجه آخر ، فتصير على تلك الحال. ألا ترى أنّ الإرادة التي بها يصير الخبر خبرا هي إرادة الإخبار به عمّا هو خبر عنه ، لا أنّه يريد أن يكون خبرا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٦ ، ٥)
ـ مما تؤثّر الإرادة فيه كلّه يتساوى في أنّه لا يحسن أو يقبح بالإرادة ، وإنّما يقتضي كونه على حال ؛ ثم يراعي الوجه الذي حصل عليه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٩ ، ١٧)
ـ إنّا إنّما أوجبنا كونه (تعالى) مريدا ، من حيث وقع منه الخبر على وجه دون وجه ، فأوجبنا كونه مريدا ، ليكون ما فعله خبرا. والإرادة تتعلّق بالمراد لجنسها ، ولا يصحّ وجودها إلّا كذلك ، فيجب أن لا تحتاج في كونها كذلك إلى كون فاعلها تعالى مريدا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٨ ، ١١)