طريق التعمد
ـ يقول شيخنا" أبو علي" ، رحمهالله ، ويعتل بقريب من هذه الطريقة ، وإنّما يجوّز على الأنبياء ما يقع منهم بضرب من التأويل ، ويجري مجرى الواقع عن سهو وغفلة ، ويجعل ما يقع على طريق التعمّد داخلا في باب ما ينفّر ؛ لأنّ من أقدم على المحرّم ، مع علمه بأنّه محرّم ، فلا بدّ من نقص في حاله يقتضي التنفير عنه (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ١٧)
ـ أما شيخنا" أبو هاشم" ، رحمهالله ، فإنّه بيّن أن تعمّد المعصية ، إذا لم يوجب كبرها ، لم يمتنع كونه صغيرا ؛ لأنّ ما يقع ، على طريق التأويل ، قد يكون كبيرا كما يقع ، على طريق التعمّد ، ما قد يجوز أن يكون صغيرا. فإذا لم يكن مستخفّا ، ولا منفرا ، فلا وجه يمنع منه ، وإن صحّ أنّ الإقدام عليه ، مع العلم به ، ينفّر. فمذهبه كمذهب" أبي علي" في هذا الباب. وإن لم ينفر ذلك فلا مانع يمنع من وقوعه منهم (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ٢١)
طريق العلم
ـ رتّب شيوخنا الكلام في الأخبار. فقال" أبو علي" ، رحمهالله : إنّ من حقّه ألّا يكون طريقا للعلم إلّا بأن تكون آحاده تقوّي الظنّ ولا يزال الظنّ يقوى ، ثم يحصل العلم ؛ وبيّن ذلك بما نجده في الشاهد من الأخبار التي هي طريق العلم (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٠ ، ١٠)
طريق المعرفة
ـ اعلم ، أنّ الصحيح فيمن لزمته المعرفة أن يقبح منه الجهل ؛ وكما يستحقّ بفعلها الثواب ، فكذا يستحقّ بفعل الجهل العقاب ؛ وكما يتناولها التكليف في باب الإقدام ، فكذا يتناوله التكليف في باب الامتناع منه. وإن كان المكلّف مأمورا بها ، فهو منهي عن الجهل. والأمر في هذا الباب أجمع ، على ما ذكره السائل. لكنّه ظنّ أنّه إذا لم يمكنه أن يعرف الجهل جهلا قبل وقوعه ، لم يصحّ أن يلزمه تركه بفعل المعرفة. وليس الأكر كما قدّر ، لأنّه إذا عرف طريق المعرفة وهو النظر المخصوص الذي من بيانه أن يولّدها ، صحّ منه إيجادها بإيجاده. وإيجادها على هذا الوجه ، هو ترك للجهل ، لأنّ من حقّه أن يضادّها ، وترك الشيء هو ضدّه على بعض الوجوه. فقد ثبت إذن أنّه يصحّ منه أن يترك الجهل بالمعرفة. فإن قيل : فيجب أن يصحّ منه ترك المعرفة بالجهل أيضا ، ليصحّ أن يكلّف المعرفة. قيل له : وذلك أيضا صحيح منه ، لأنّه يصحّ منه أن يبتدئ فعل الاعتقاد والذي هو جهل ، فيكون بفعله تاركا للاعتقاد الذي هو من جنس المعرفة. ولا يقال : إنّه ترك به المعرفة ، لأنّ من حقّها أن تقع متولّدة. والمباشر لا يكون تركا للمتولّد ، من حيث يجب وجوده بوجوب سببه. ومن حق الترك والمتروك أن يصحّ من القادر ، في كل واحد منهما ، أن يبتدئه وأن يبتدئ ضدّه. لكنّا وإن لم نطلق هذا القول ، فمن جهة المعنى لا نمتنع من أن نقول بأنّه قد ترك بها الجهل ما يضادّه من المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٠ ، ١٢)
طريق الوجوب
ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم